بقلم:أمينة خيري
لملمت ٢٠٢٤ ما تبقى من متعلقاتها، ورحلت. يقول البعض إنها رحلت غير مأسوف عليها، أو إنها كانت من أصعب السنوات وأثقلها. ويضع آخرون أياديهم على قلوبهم، وربما جيوبهم، متحسسين ما ستأتى به ٢٠٢٥ من ضربات توجع قلوبهم وتدمى جيوبهم أكثر مما فعلت ٢٠٢٤. ويتخيل آخرون أنفسهم يمشون على أطراف أصابعهم ويغلقون باب ٢٠٢٤ بهدوء شديد، ويفتحون باب ٢٠٢٥، لعلهم يتقون شرورها ويعيشونها بأقل أضرار ممكنة.
عن نفسى، تعلمت الدرس. لم أعد أقول: «لقد كان عاما مليئا بالصدمات» أو «بالمصاعب» أو «بالكوارث» أو «بالمشكلات». أكتفى بالقول والشعور بأن عاما نعتبره صعبا مضى، وسبب الاعتبار هنا أنه ثبت بالحجة والبرهان أن بقاءنا على قيد الحياة ينفى القول بأنه كان العام الأصعب أو الأقسى أو الأبشع، أو حتى الأسهل أو الأحن أو الأجمل، وذلك لأن احتمالات قدوم ما هو أسوأ أو أفضل تظل قائمة.
كان عاما صعبا؟ بكل تأكيد! لكنه كان من أكثر الأعوام التى عشناها كشفا لحقائق، وتعرية لمظاهر وأكاذيب. كما كان من أكثر الأعوام تبيانا لقدرات البشر على نفى الحقائق وإنكار الأخبار وتطويع الواقع وتمويه الأحداث. أتحدث عن اختيارات البشر، لا تعرضهم لأخبار كاذبة أو مفبركة أو أنصاف حقائق.
شخصيا، أرى حدثين بارزين فى عام ٢٠٢٤ أعتبرهما كاشفين لما يجرى حولنا، وسببين رئيسيين لما نحن فيه من فوضى معيشية وعشوائية فكرية وضياع بوصلة الحياة.
الحياة ليست مجرد شهادة مدرسية، وزواج، وإنجاب، وعمل يدر دخلا. الحياة وجودتها تقاس أيضا بأثرها. حين ينظر كل منا خلفه ويقيّم ما فعل، وحين ينظر كل شعب خلفه ويقيس إنجازه، ماذا يرى؟.
الإجابات كثيرة ومتروكة لتقييمات عدة، لكن ما هو الأثر الذى يتركه كل منا خارج باب بيته؟ وما الأثر الذى يسجله التاريخ باسم شعب ما؟ هل هو عدد العيال؟ عدد العمارات؟ حسابات البنوك؟ القدرة على التغلب على الفقر بالدعاء؟ الانتقال من شقة فى الظاهر إلى فيلا فى التجمع؟ تليفزيون ٧٢ بوصة بدلا من ٣٢ بوصة؟ بناء عدد غير مسبوق من دور العبادة؟ إعادة الكتاتيب؟ نشر ثقافة الموت والعذاب والثعبان الأقرع وضمة القبر وصراخ العصاة؟. أم الوصول إلى كشف جينى، أو علاج للسرطان، أو تطبيق للمكفوفين، أو تنبؤات الصحة التحليلية باستخدام الذكاء الاصطناعى، أو تنقية الماء فى المناطق النائية بدولار واحد، أو جهاز تهدئة الرعشات للمرضى الذين تنقبض عضلاتهم لا إراديا... إلخ؟.
أدعو المهتمين للاطلاع على قائمة مجلة «تايم» لأبرز ابتكارات عام ٢٠٢٤، وبقدر كراهيتى للمقارنة، لكن فلنقارن بين ما يشغلنا ويستغرق وقتنا وجهدنا ومالنا، وما يشغل آخرين ووقتهم وجهدهم ومالهم.
الحدث الثانى الذى أعتبره الأهم فى ٢٠٢٤ هو ما يجرى فى سوريا. مضى عام صعب شأنه شأن غيره. ونستقبل عاما ونتمنى للجميع الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من رجاحة العقل ووضوح الرؤية والقدرة على التفرقة بين الواقع والخيال.