بقلم : عبد اللطيف المناوي
بدأت الحديث أمس عن موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية، ورفضها الواضح لسياسة التهجير، وأكدت على فكرة وحدة الشعب مع قيادته فى هذا الأمر، حيث أظهر المصريون - فى كل منابر التعبير- وعيهم العميق بالمخاطر التى تواجه القضية الفلسطينية، ورفضهم القاطع لأى ضغوط خارجية يمكن أن تمارس على الدولة المصرية.
وفى هذا السياق، أكد الرئيس السيسى فى يوم الشهيد على أهمية وعى الشعب المصرى واصطفافه خلف قيادته السياسية، قائلًا: «لم يكن هذا الموقف ليتحقق، إلا بوعى الشعب المصرى، واصطفافه حول القيادة السياسية، معبرًا وبجلاء عن صدق النية وحب الوطن».
هذه العبارة لخصت التلاحم بين الشعب والقيادة، وأكدت أن السياسة الخارجية المصرية ليست مجرد قرارات حكومية، بل تعبير حقيقى عن إرادة وطنية جامعة، تدرك أبعاد القضية الفلسطينية، وتعى تمامًا أهمية دور مصر المحورى فيها. لقد أثبتت مصر، عبر موقفها الدبلوماسى والسياسى، أنه لا يمكن الحديث عن حل للقضية الفلسطينية دون وجود دور مصرى محورى. فمصر ليست فقط دولة جوار أو مكان تجتمع فيه الأطراف للتفاوض، بل هى الطرف الأهم القادر على التأثير فى مسار الأحداث، سواء عبر علاقاتها الدولية أو من خلال موقعها الجغرافى والاستراتيجى، إضافة إلى كونها الدولة الاستراتيجية الأهم فى المنطقة، والتى يجعل لها كلمة مسموعة عند الأطراف جميعًا.
فقد استضافت مصر مؤتمرات دولية لدعم القضية الفلسطينية، وتحركت على كافة المستويات لضمان وصول المساعدات إلى غزة، ومنعت أى محاولات لتغيير الحقائق على الأرض عبر التهجير القسرى. كما أنها كانت ولا تزال الطرف الأكثر فاعلية فى جهود وقف إطلاق النار، وإعادة إعمار القطاع بعد كل عدوان إسرائيلى.
لقد أثبتت هذه الأزمة أن مصر ليست مجرد طرف محايد، بل قوة إقليمية تتحمل مسؤولياتها التاريخية، وتدرك أن أى حل للقضية الفلسطينية يجب أن يكون وفقًا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى. لعبت مصر دورًا محوريًا عبر العقود فى نزع فتيل الأزمات، مستندة إلى ثقلها الإقليمى وعلاقاتها التاريخية مع القضية الفلسطينية، فمنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد كرّست مصر جهودها للوساطة بين الأطراف المتنازعة، وساهمت فى التوصل إلى العديد من اتفاقيات التهدئة ووقف إطلاق النار، لا سيّما خلال الحروب على قطاع غزة.
وقد شكّلت القاهرة منصة رئيسية للحوار الفلسطينى– الفلسطينى، حيث استضافت جولات مصالحة بين الفصائل لإنهاء الانقسام الداخلى، كما تبنّت مصر نهجًا إنسانيًا فى تخفيف معاناة الشعب الفلسطينى من خلال فتح معبر رفح وتقديم المساعدات الإنسانية خلاله. وبفضل هذه الجهود، باتت مصر وسيطًا لا غنى عنه فى الحفاظ على الاستقرار ومنع تفاقم الصراع فى المنطقة.
إن الموقف المصرى نموذج للدبلوماسية المسؤولة، التى تجمع بين وضوح الرؤية، والقوة فى اتخاذ القرار، والاستناد إلى دعم شعبى واسع يدرك أن القضية الفلسطينية ليست قضية منفصلة، بل جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى والعربى.