“فتح” هي المعضلة… وهي الحلّ

“فتح” هي المعضلة… وهي الحلّ

“فتح” هي المعضلة… وهي الحلّ

 عمان اليوم -

“فتح” هي المعضلة… وهي الحلّ

بقلم: نبيل عمرو

صرفت القوى السياسية الفلسطينية من أكبرها إلى أصغرها جهوداً لمعالجة أوضاعها الداخلية، فاقت كثيراً الجهود التي يفترض أن تبذل في مواجهة الخصم المشترك.

في زمن الراحل ياسر عرفات، كانت الانشقاقات والانقسامات من النوع الذي أمكنت السيطرة عليه، تارة بالاحتواء، وغالباً بالتسويات، ونادراً بعمليّات جراحية.

كانت دورات المجلس الوطني (البرلمان) تضع الخلاصات في شأن استعادة وحدة القوى والفصائل، والحفاظ على النظام السياسي الذي سمّي بجدارة نظام منظّمة التحرير.

وبفعل ذلك نجت المنظّمة من الانقسامات، ولم تصل القوى المعترضة على قراراتها حدّ الانسحاب من شرعيّتها أو التشكّك فيها.

كان الجسم الأساسي لمنظّمة التحرير محتفظاً بعافيته وتحالفاته وشرعيّته، وأمّا القوى المعترضة فكانت عديمة القدرة على توفير شرعية موازية أو بديلة، إذ لم تحصل على مكانة تداني مكانة المنظّمة الأصليّة، حتى عند الدول التي كانت ترعى الانشقاقات وتنفق عليها.

غير أنّ ما جعل الانقسامات والانشقاقات خطراً وجوديّاً على الحالة الفلسطينية، هي انشقاقات “فتح” التي كان أكبرها وأشدّها فتكاً بالجسم الوطني الفلسطيني ذلك الانشقاق الذي وقع في عام 1982، والذي كاد يُنهي “فتح” والمنظّمة معاً، من خلال دعم دول عربية وازنة له، ومن خلال الحياد الانتهازي الذي مارسته الدولة السوفيتية التي كانت هي ومنظومتها الاشتراكية بمنزلة القوّة العظمى والسند الدوليّ الأهمّ لمنظّمة التحرير وخياراتها.
في زمن الراحل ياسر عرفات، كانت الانشقاقات والانقسامات من النوع الذي أمكنت السيطرة عليه، تارة بالاحتواء، وغالباً بالتسويات، ونادراً بعمليّات جراحية.

العمود الفقريّ

تغلّبت “فتح” بقيادة ياسر عرفات ورفاقه المؤسّسين التاريخيين على كلّ الانشقاقات التي حدثت فيها، وتمّ حصر المنشقّين في زاوية ضيّقة، بحيث لا تأثير لهم في المسارات السياسية لـ”فتح” والمنظّمة، وربّما كانت مصادفة تاريخية بدت في حينها مفارقة أن يقوم العاهل الأردني الحسين بن طلال بإنقاذ “فتح” والمنظّمة، حين سمح بعقد المجلس الوطني الفلسطيني في عمّان، بعدما امتنعت دول عديدة عن عقده في عواصمها، خشية اتّهامها بالتماهي مع الانشقاق والانحياز لـ”فتح” والمنظّمة وياسر عرفات.

كان كثيرون، باستثناء الحسين بن طلال، ينتظرون رؤية الخلاصات النهائية للانشقاق، مع أنّهم كانوا في سلوكهم وقرارة أنفسهم يفضّلون انتصار عرفات في نهاية الأمر.

على الرغم من تجاوز الانشقاق الكبير الذي وقع بعد الخروج الأكبر من أهمّ الجغرافيات المحيطة بفلسطين، لم تختفِ آثاره من حياة الحركة الوطنية، التي كانت “فتح” عمودها الفقري، وبوسعنا تصوّر كيف يكون حال جسدٍ فقد ولو بعض فقرات منه.

بدأت في حياة الفلسطينيين مرحلة جديدة مختلفة كليّاً عن المراحل التي مرّت بها القضيّة منذ بداياتها. كان ذلك حين وافقت منظّمة التحرير بقيادة “فتح” ومن معها من الفصائل على الحلّ السياسي عبر تفاهمات واتّفاقات أوسلو، فنشأت في فلسطين وعلى مستوى الطبقة السياسية حالة ملتبسة قوامها أنّ المعترضين على أوسلو مارسوا ازدواجية في الموقف والسلوك. وفي هذا الشأن تساوت مواقف الجميع، بما في ذلك حركة “حماس” التي وجدت صيغة للتعامل مع أوسلو بقبول مزاياها والاعتراض عليها برفض ما رأته أو سوّقته خيانةً أقدم عليها غيرها.
كان كثيرون، باستثناء الحسين بن طلال، ينتظرون رؤية الخلاصات النهائية للانشقاق، مع أنّهم كانوا في سلوكهم وقرارة أنفسهم يفضّلون انتصار عرفات في نهاية الأمر

ازدهرت “فتح” خياراً سياسياً عمليّاً سِمَتُهُ الواقعية، وذلك من خلال الزخم الإيجابي الذي وفّرته بدايات أوسلو على الأرض، بتأسيس السلطة الوطنية، وانفتاح أفقٍ لقيام الدولة، دون الانتباه بما يكفي إلى الاحتمالات القويّة لسقوط التجربة، ما دامت موافقة إسرائيل عليها مرهونة بانتقال صوت واحد في الكنيست من الموافقة إلى المعارضة، وهذا ما حدث فعلاً.

انتقلت الحالة الفلسطينية من الهجوم، إذا ما اعتبرنا قيام السلطة والتفاوض حول قيام الدولة هو هجوم، إلى الدفاع عمّا بقي من أوسلو، والدفاع الأصعب عن الحدّ الأدنى من مقوّمات وأساسيّات القضيّة الفلسطينية، والعمل الوطني من أجلها.

مؤتمر تأسيسيّ

انهيار أوسلو والانقلاب الذي قامت به “حماس”، وفصل غزّة عن الضفّة، والانقسامات والانشقاقات الظاهرة والخافية التي اجتاحت “فتح” بعد غياب عرفات، كلّ ذلك أوصل القضيّة والشعب وقيادتهما الشرعية والمدّعاة إلى ما هم فيه الآن من ضعفٍ وتشرذمٍ لا مبالغة في وصفهما بالنكبة الثانية التي توازت بخطورتها مع النكبة الأولى في عام 1948.
ازدهرت “فتح” خياراً سياسياً عمليّاً سِمَتُهُ الواقعية، وذلك من خلال الزخم الإيجابي الذي وفّرته بدايات أوسلو على الأرض، بتأسيس السلطة الوطنية

“فتح” التي كانت منذ انطلاقتها في عام 1965، وإلى أن توغّلت عميقاً في التسوية السياسية المباشرة مع الخصم الإسرائيلي، هي العمود الفقري للحالة الفلسطينية في كلّ مراحلها، وذلك لو بقيت كما كانت، واحدةً موحّدة، ووثيقة الصلة بشعبها والأقرب إلى مزاجه ورهاناته ومصالحه.

مع أنّ حرف “لو” يُفسد التحليل السياسي القائم على الحقائق الموضوعية، إلا أنّ حقيقة الحقائق في هذا الصدد هي أنّ “فتح” بتراثها ورصيدها وعديد أعضائها وكوادرها تظلّ هي المخرج الوطني من كلّ المآزق، فهي لم تكن يوماً لأعضائها والمتنفّذين فيها، بقدر ما كانت للشعب كلّه بكلّ شرائحه وأماكن وجوده.

“فتح”، والحالة هذه، بحاجة إلى جهد دؤوبٍ لاستعادة عافيتها، والطريق إلى ذلك أن يعود كلّ المهاجرين والمهجّرين منها إلى مسقط رأسهم السياسي “فتح”، وفق صيغة ديمقراطية تبدأ بمؤتمر توحيديّ، وحتى تأسيسيّ، لا يُمنع عنه من هم جديرون به، ويخضع لترتيبات محكمة توفّر لأعضائه حرّية النقاش السياسي وفتح جميع الملفّات وصولاً إلى الانتقاد غير المتحفّظ، من أجل إنتاج قيادة منتخبة لا تشوب إجراءات انتخابها شائبة. لقد جرّبت “فتح” التلاعب بمؤتمراتها، خصوصاً التي تمّت على أرض الوطن، وكانت النتيجة أن أفرزت الحالة المتردّية ثلاث قوائم لخوض الانتخابات العامّة، وهو ما جعل من استعادة مكانتها القديمة مستحيلة، فهل يفكّر الفتحاويّون في مخرجٍ كهذا؟

إقرأ أيضاً: مفتاح عرفات… ليس بيد عبّاس؟

إنّ كلّ يوم يمرّ دون العمل الجدّي لتجسيد ما تقدَّم يجعل من إصلاحها واستعادة مكانتها أمراً يكاد يكون مستحيلاً.

قدر الشعب الفلسطيني أن تكون مؤسّسة ثورته المعاصرة معضلةً بحدّ ذاتها، والحلّ أيضاً.

 

omantoday

GMT 20:15 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات كبرى تقرّر مستقبل الشّرق الأوسط

GMT 20:12 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لا تعزية حيث لا عزاء

GMT 20:11 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

حطب الخرائط ووليمة التفاوض

GMT 20:10 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

خرافات العوامّ... أمس واليوم

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

GMT 20:08 2025 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

الخصوصية اللبنانية وتدوير الطروحات المستهلكة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“فتح” هي المعضلة… وهي الحلّ “فتح” هي المعضلة… وهي الحلّ



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 19:51 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 04:59 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:18 2025 الأحد ,13 إبريل / نيسان

قيمة التداول العقاري في عُمان تتراجع 64%

GMT 23:59 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 04:06 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الأضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 21:10 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:52 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 05:08 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

برج الثور عليك أن تعمل بدقة وجدية لتحمي نفسك

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday

Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.

Beirut Beirut Lebanon