أين هو جيبنا المثقوب

أين هو جيبنا المثقوب؟

أين هو جيبنا المثقوب؟

 عمان اليوم -

أين هو جيبنا المثقوب

حازم صاغية

قبل عشر سنوات انسحب الجيش السوريّ من لبنان. جاء ذلك بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري، والضغوط التي فجّرها داخليّاً ودوليّاً، ما أجبر نظام الأسد على سحب قوّاته. يومها، تراءى للبعض أنّ لبنان جديداً، مستقلّاً وأكثر ديموقراطيّة، سوف ينشأ. وبالفعل فإنّ ما تمّ كان قابلاً، من حيث المبدأ، لأن يؤسّس جديداً يُبنى عليه، وكان من الممكن، مبدئيّاً أيضاً، أن ينهض ربط استكماليّ بين حدث 2005 وحدث 2000 الذي شهد خروج الجيش الإسرائيليّ من لبنان. إلاّ أنّ شيئاً من هذا لم يحصل. صحيحٌ أنّ النظام السوريّ وزبانيته فعلوا كلّ ما في وسعهم، بما في ذلك الاغتيالات، كي لا يحصل ذلك. إلاّ أنّ الانقسام اللبنانيّ العميق كان خير مُستقبل وخير مُفعّل لدور النظام المذكور وإجرامه. واليوم، بعد عشر سنوات على الانسحاب، يتّخذ الانقسام اللبنانيّ صورة تقارب الإطلاق الذي يكاد لا يستثني شيئاً منه، حتّى ليتساءل كثيرون عن «سرّ» التجنّب اللبنانيّ لمواجهة عنفيّة مفتوحة.

قبل عامين على انسحاب الجيش السوريّ الذي عُدّ ضربة لنظام دمشق الأمنيّ والاستبداديّ، سقط نظام أمنيّ واستبداديّ في بغداد. لقد هوى من عليائه صدّام حسين وتماثيله وزمرته، وانفتح الباب أمام العراقيّين كي يبنوا بلداً جديداً ونظاماً آخر. لكنْ، إذا استثنينا شكليّات العمليّة الانتخابيّة وانتشار وسائل التعبير، لم يحصل شيء من هذا. ما حصل هو اندفاع الانشقاق الأهليّ بعيداً إلى الأمام، بحيث باتت إيجابيّات العمليّة الانتخابيّة ووسائل التعبير فرصاً ومنابر إضافيّة للاستقطاب الطائفيّ. وها نحن اليوم نشهد غزوة منطقة لمنطقة، وطائفة لطائفة، فيما أضحى دخول السنّيّ إلى عاصمته بغداد يستدعي إجراءات في عدادها إيجاد كفيل!

طبعاً ظهر من يردّ كلّ سلبيّات الوضع العراقيّ الجديد إلى تولّي الأميركيّين مهمّة التغيير. لكنّ العام 2011 استحضر الشعوب في غير بلد عربيّ وهي تطلب إطاحة الاستبداد. وفي سوريّة خصوصاً، صنع الثوّار المدنيّون ملاحم في البطولة والصبر والتضحية سوف تتصدّر لزمن طويل كتب التاريخ العربيّ الحديث. وكان لعنف النظام خصوصاً أن دفع الثورة المدنيّة إلى عسكرة قاتلة، عسكرةٍ أودت بالقوى السلميّة وهمّشتها فيما استحضرت إلى واجهة الفعل كلّ من مضغتهم أحشاء المجتمع ولم تهضمهم على مدى عقود فراحت تتقيّأهم: «داعش»، «النصرة»، زهران علّوش... وإذ غدا المعنيّون الأصليّون بالصراع لأجل حرّيّة السوريّين مراقبين متألّمين، بات كلّ فرح بتحرير يستبطن خوفاً من غزو. فالإيجابيّ في إخراج النظام من جسر الشغور وجهُه الآخر الرعب من الأطراف التي دخلته، والرعب على العلويّين ممّا قد يحلّ بهم.

وفيما تعاني ليبيا أسوأ ما يمكن لبلد أن يعانيه، جاءت حرب اليمن الأخيرة تشي بفقدان مدهش للغة السياسة، وانتعاش واسع النطاق للّغة العنصريّة التي هي وسيط التبادل شبه الحصريّ بين الجميع والجميع.

وقد يظهر هنا، بين اللبنانيّين والسوريّين والعراقيّين والليبيّين واليمنيّين، من يرفض تماماً كلّ مقايسة أو مقارنة بين بلده والبلدان الأخرى، ومن يعتبر أنّ نقص الإلمام بتعقيدات بلده هو الذي يحمل الآخرين على إجراء المقارنات. وما يفوت هذا المنطق أمران على الأقلّ:

أوّلهما، أنّ القوميّ الجوهرانيّ (اللبنانيّ أو السوريّ أو...) هو وحده الذي يرفض مبدأ المقارنة لإيمانه بفرادة غير قابلة للتكرار، والثاني، أنّ القوميّ الجوهرانيّ، وبحجّة رفض التعميم، هو وحده الذي ينفي ضمناً عن البلدان الأخرى وجود تعقيدات تشبه التعقيدات التي في بلده.

وهذا، في عمومه، غير صحّيّ، لأنّه يعتّم على أزمة عامّة، ويُحلّ وهم التاريخ الصاعد محلّ حقيقة الانهيار الواقعيّ. ذاك أنّ التجارب كلّها تقول أنّ ثمّة جيباً مثقوباً ينبغي رتقه، لا يختصره الاستبداد، فيما قدرة السياسة على رتقه أصغر من قدرته على ثقبها. أين هو هذا الجيب المثقوب؟

omantoday

GMT 16:32 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 16:31 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 16:29 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 16:28 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 16:27 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

GMT 16:25 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 16:25 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانون السوريون وفخ المزايدات

GMT 16:24 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الباشا محسود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين هو جيبنا المثقوب أين هو جيبنا المثقوب



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 15:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 عمان اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 09:56 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

طرق فعالة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab