احتمالات مصر

احتمالات مصر

احتمالات مصر

 عمان اليوم -

احتمالات مصر

حازم صاغيّة

قد تسفر المواجهة السياسيّة الدائرة والمتصاعدة في مصر عن انتصار السياسة وسقوط قبضة «الإخوان المسلمين» ومشاريعهم الدستوريّة عن صدر الحياة العامّة. والاحتمال هذا سيكون، من دون شكّ، الأمثل والأنبل لأنّه، فضلاً عن وضعه مصر على السكّة القويمة للتطوّر السياسيّ، سوف يعزّز حجّة الثورة ويُغني مبرّراتها، كما يحجّم استخدام الصعود الإسلاميّ ذريعة للموقف المناهض لها، الشيء الذي يسري على مصر بقدر ما يسري على بلدان عربيّة أخرى. ولا يُنسى، هنا، أنّ الدور المحوريّ للبنى والقوى الحديثة، كالقضاة في مصر (والنقابيّين في تونس) يشجّع على تفاؤل كهذا، تفاؤلٍ بانقسام نصفيّ مديد من النوع الذي تعرفه ديموقراطيّات عريقة كالولايات المتّحدة وفرنسا، إنّما مضبوط باللعبة السياسيّة والدستوريّة. بيد أنّ مصر قد تفاجئنا باحتمال ثانٍ مغاير، يقترن فيه الجوهر القمعيّ بالواجهة الديموقراطيّة ويتعايشان. وهذا ما تزداد قابليّته للتصوّر في حال توافق «الإخوان المسلمين» والمؤسّسة العسكريّة على صيغة تخدم الغرض هذا. وغنيّ عن القول إنّ الطرفين قد يجدان ما يكفي من الإغراءات لعقد تحالف حاكم من نوع ما. ففي مقابل التحاق بعض «الفلول» المدنيّين بقوى الثورة، قد تلتحق «الفلول» العسكريّة بقوى «الإخوان» في زواج مصلحة للطرفين. والاحتمال المذكور سوف يصطدم بالرغبات الأميركيّة والغربيّة، وبمصالح مصر تالياً، إلاّ أنّ القيّمين عليه سوف يحاولون إغراء الغرب بمواقف متشدّدة أمنيّاً وفي مجال العلاقات الإقليميّة، الشيء الذي يعيد إلى الأذهان ملامح من عهد حسني مبارك. هذا الاحتمال، باستفتاء أو من دون استفتاء، قد يلد نموذجاً قريباً من ذاك الفرانكويّ في إسبانيا، حيث نهضت السلطة على تحالف الجيش والكنيسة وكبار ملاّكي الأراضي، فيما جنحت لأن تكون ديكتاتوريّة عسكريّة بدل أن تكون توتاليتاريّة على الغرار الفاشيّ والستالينيّ. بيد أنّ الاحتمال المذكور الذي سيتأدّى عنه إجهاض موقّت للقوى الليبراليّة واليساريّة، لن يفعل سوى تأجيل الحسم السياسيّ والديموقراطيّ لفترة يصعب التكهّن بها أو تقدير أكلافها. وعاجلاً أم آجلاً ستجد مصر نفسها أمام مهمّات التحوّل إلى الديموقراطيّة. مع هذا ثمّة احتمال ثالث هو الكارثيّ، والذي يفيض عن المعاني الحديثة للسياسة وعن قوالبها. ما يعنيه ذلك أن ينشطر المجتمع نفسه انشطاراً يستحيل أن ترأب الحياة السياسيّة صدعه. هنا يجد المصريّون أنفسهم وجهاً لوجه أمام مفاعيل العقود الماضية من جهود السلطة وجهود الإسلاميّين معاً. فالسلطة من خلال تديينها المجتمع وشطراً من الثقافة في سياق مواجهتها للإخوان، والإسلاميّون من خلال إنشائهم مجتمعاً موازياً ومضادّاً، ثقافيّاً واقتصاديّاً وتعليميّاً وقيمياً وفي الزيّ والمظهر، نجحوا في توسيع الهوّة بين «شعبين» داخل الشعب المصريّ: «شعب» الإسلاميّين و «شعب» غير الإسلاميّين (طالما أنّ الأخيرين يصعب وصفهم بالعلمانيّين). وإذا كنّا نرى شيئاً من ذلك في الانشطار العريض الذي تسلّل إلى النقابات وسائر التكوينات القاعديّة، فإنّ الأصول الثقافيّة للتيّارين تباعد بينهما، الأمر الذي يرقى إلى اختلاف في تأويل التاريخ المصريّ الحديث منذ حملة نابوليون، مروراً بعهد اسماعيل وشقّ قناة السويس، انتهاء بيومنا الراهن. وإلى التاريخ، يفضي تركيز الصراع على «الهويّة»، بشكل مباشر أو مداور، إلى توسيع الشقّة الفاصلة بين قطاعين عريضين في المجتمع، مفجّراً في طريقه المسألة القبطيّة ومضيفاً إيّاها إلى كاتالوغ التناقضات النوعيّة. ولا يفوت، في سياق كهذا، التوكيد على مخاطر الأكثريّة العدديّة البحتة، لا سيّما حين تنتج حكماً فئويّاً معنيّاً بحزبه «الفائز» أكثر من عنايته بالشعب والأمّة. فهل تجد مصر نفسها، ونجد أنفسنا معها، ندفع هذا الثمن الباهظ نيابة عن التاريخ والثقافة، والسياسة طبعاً؟ نقلاً عن جريدة "الحياة"

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احتمالات مصر احتمالات مصر



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab