فتّش عن الانقلاب

فتّش عن الانقلاب

فتّش عن الانقلاب

 عمان اليوم -

فتّش عن الانقلاب

حازم صاغيّة

قد يكون هناك بعض الوجاهة في الانتقادات التي تُوجّه إلى إمارة قطر وإلى تضخّم دورها. لكنّ البائس أنّ أهل المشرق العربيّ حين يفعلون هذا، لا يفكّرون للحظة بالانهيار الذي تعرّضت له مراكزهم الكبرى الثلاثة، أي مصر والعراق وسوريّة، هي التي شكّلت، في العالم العربيّ، الحاضرات التي استقبلت التأثير الأوروبيّ والحديث واستدخلته إلى هذا الحدّ أو ذاك. لقد حدث هذا في المشرق قبل المناطق الأخرى من العالم العربيّ، لكنّه، على ما يبدو، يتعرّض للانطواء قبل تلك المناطق. وهذا ما يملي نظرة نقديّة إلى الذات تتقدّم النظرة الاستهجانيّة لأدوار الآخرين، كائناً ما كان الرأي فيها. بل ربّما جاز القول إنّ رائد النظرة هذه كان صدّام حسين. فهو دفعها إلى سويّة الاحتلال المباشر، على ما جرى حينما غزا الكويت، مؤسّساً ومكرّساً نوعاً من القطيعة بين المشرق والخليج لم تعرفه مناطق العالم العربيّ من قبل. والأساس في ما نعيشه اليوم من تقويض المراكز الثلاثة، المصريّ والسوريّ والعراقيّ، هو الانقلاب العسكريّ الذي كانت تلك المراكز سبّاقة إليه. ففي 1936 بدأ الانقلاب في العراق على يد الضابط بكر صدقي الذي ارتكب، قبل ثلاث سنوات فحسب، مجزرة الأشوريّين. وفي 1941 كان انقلاب «المربّع الذهبيّ» ورشيد عالي الكيلاني الذي أطلق المناخ الذي توّجه «الفرهود»، أوّل بوغروم في العالم الإسلاميّ ينزل باليهود. أمّا في 1958 فكان الانقلاب الجمهوريّ المسمّى ثورة، تلاه انقلابان في 1963 أوّلهما جاء بالبعث إلى السلطة والثاني أزاحه عنها، وصولاً إلى انقلاب 1968 الذي أعاد البعث وأنجب صدّام حسين التكريتي. منذ ذلك التاريخ حتّى 2003 والعراق «عراق صدّام». وفي سوريّة التي لم تتأخّر كثيراً، شهد العام 1949 ثلاثة انقلابات جاءت، على التوالي، بحسني الزعيم وسامي الحنّاوي وأديب الشيشكلي، ثمّ قام الأخير بانقلاب ثانٍ عزّز فيه سلطاته، حتّى إذا أطيح، أواسط الخمسينات، حكمت سوريّة طغمة عسكريّة تخفّت وراء واجهة مدنيّة قبل أن تسلّم البلد إلى مصر. بعد ذاك قُوّض عهد الوحدة (1958-1961) بانقلاب تلاه انقلاب، إلى أن وصل البعض إلى السلطة بانقلاب آخر في 1963، وفي 1966 انقلب بعثيّون على بعثيّين، ثمّ في 1970 انقلب حافظ الأسد على باقي رفاقه وصارت البلاد «سوريّة الأسد». أمّا مصر التي عرفت انقلاباً واحداً في تمّوز (يوليو) 1952، وهو كان السبّاق في تقديم العمل التآمريّ بوصفه «ثورةً»، فحكمها المجمّع العسكريّ حتّى ثورة كانون الثاني (يناير) 2011. ومن داخل الانقلاب التأسيسيّ كانت تحدث «انقلابات» متتالية في التوجّه السياسيّ لا تسندها أيّة استشارة لرأي الشعب، كأنْ يتحوّل السادات عن النهج الناصريّ، أو أن يتحوّل مبارك عن النهج الساداتيّ. في هذه الغضون صارت المجتمعات المشرقيّة بيوتاً كبرى للكبت والتصحير السياسيّين، وللانقطاعات الاجتماعيّة، ولهجرة الكفاءات وتردّي القدرة على مواكبة ما يجدّ في العالم، لا سيّما مع العولمة وتزايد اعتماد الاقتصاد على المبادرة الفرديّة الحرّة. وسجّلت المنطقة المذكورة نسبة مرتفعة جدّاً في الحروب الباهظة الكلفة، ليس فقط في المواجهات مع إسرائيل، المباشرة منها في مصر وسوريّة، والمداورة عبر لبنان، بل أيضاً في اليمن (مصر) وفي الكويت وإيران (العراق). وعلى العموم، صار الحديث عن «دور رياديّ» تلعبه بلدان المشرق تمريناً على كلام منتفخ وموروث، من دون أن تكون أيّة منطقة أخرى في العالم العربيّ قادرة على ممارسة هذا «الدور الرياديّ» الذي تتراجع الحاجة إليه أصلاً. لكنْ بدل أن نهجو الانقلاب، رحنا نهجو «مدن الملح» وطبعاً أميركا. وما زلنا نحتفظ للانقلاب بطاقة من التسامح فجّرناها قبل أيّام في القاهرة.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فتّش عن الانقلاب فتّش عن الانقلاب



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab