نحن والغرب والثورات

نحن والغرب والثورات...

نحن والغرب والثورات...

 عمان اليوم -

نحن والغرب والثورات

حازم صاغية

قبل ربع قرن بدأت مناشدة الغرب أن يتدخّل، دعماً لثورة أو منعاً لمأساة إنسانيّة، تصير جزءاً من المشهد السياسيّ العريض في العالم. ولم يتعفّف عن هذه المناشدة بعض الذين بنوا صيتهم ومواضيهم على مكافحة الغرب ونفوذه وتدخّلاته.

والحال أنّ معنى الثورات تغيّر في وجوه عدّة، منها الموقف من الغرب. فهي كانت، على مدى القرن العشرين، لا تستهدف إلاّ الغرب، أي الاستعمار والإمبرياليّة، وأعوان هذا الغرب. لكنْ منذ انتهاء الحرب الباردة راح هذا المعنى يُطرد من سوق التبادل. لا بل صار تدخّل العدوّ السابق عنصراً أساسيّاً في نجاح ثورة ما أو فشلها. فالغرب ذاك إنّما تغيّر معناه أيضاً، إذ اختفى الخوف من السوفيات والتنافس الضاري معهم على النفوذ، ممّا برّر للغربيّين الاحتفاء بعدد من المستبدّين وتعهّدهم. وفي المقابل زادت قدرة الغرب على التأثير، ليس فقط بسبب القوّة العسكريّة التي لم يعد ينافسها أحد، بل أيضاً بسبب التشابك الاقتصاديّ العالميّ الذي تنامى كثيراً، ومعه تعاظم دور «الصورة»، والغرب مصدر إنتاجها الأبرز. وإلى هذا وذاك ارتفعت جرعة التدخّل التي يمارسها الرأي العام الغربيّ في السياسة، بينما بدا أنّ «المصالح» صار ممكناً تأمينها من خلال الديموقراطيّة أكثر ممّا عبر الاستبداد وعشوائيّته في التعامل والتبادل.

قبل نهاية الحرب الباردة كان التمرين المبكر على هذه الحقيقة في 1979، حين تخلّت أميركا، في ظلّ جيمي كارتر وحماسته لـ «حقوق الإنسان»، عن شاه إيران. وتكرّر الأمر على شيء من الاختلاف في الفيليبين، عام 1986، عندما حلّت كورازن أكينو محلّ الديكتاتور فرديناند ماركوس. بعد ذاك كرّت السبحة: في أوروبا الوسطى والشرقيّة مع تداعي الاتّحاد السوفياتيّ، وفي أفريقيا الجنوبيّة حين اشتبك الغرب، اقتصاديّاً وقيميّاً، مع عنصريّتها، وفي أميركا اللاتينيّة، حين فقدت الديكتاتوريّات اليمينيّة كلّ قيمة نافعة كانت تملكها إبّان الحرب الباردة.

لقد جاءت الثورات والتغيّرات الكبرى كلّها إمّا متحالفة مع الغرب، توّاقةً إلى الأخذ بنموذجه، أو ساعية إلى التصالح معه. وبدورها، حافظت الثورة الإيرانيّة على فرادتها لأنّها، بالضبط، كانت ضدّ الغرب، حيث تكمن استثنائيّتها وهبوبها «ضدّ الطبيعة»، كما يكمن السبب الأبرز في أنّها لم تتكرّر. فالحركات الراديكاليّة الإسلاميّة التالية بدت كافية لإسقاط نظام، أو ضعضعة وضع، أو إخلال بخريطة، إلاّ أنّها لم تستطع أن تتحوّل إلى نظام.

وفي المعنى هذا يمكن النظر إلى المأساة الفلسطينيّة حيث حال الاستثناء الإسرائيليّ دون الدعم الغربيّ لـ «الثورة» الفلسطينيّة. وبسبب هذا الافتقار قد يجوز التأريخ لهذه الأخيرة، أقلّه منذ الانتفاضة الثانية، بوصفها مسلسلاً من الاستحالات والانسدادات والتعفّن.

لكنْ بعدما ذهب جورج دبليو بوش بعيداً في وجهته التدخّليّة في العراق، فلم يكتف بأن ينصر ثورة بل حلّ محلّها (وهي لم تكن مؤكّدة الحدوث أصلاً)، جاء باراك أوباما بوصفه التائب عن الثورات والأدوار التدخّليّة الكبرى. فإذا كان فلاديمير بوتين ينوي بعث الامبراطوريّة الروسيّة، فإنّ أوباما لا ينوي سوى تفكيك الإمبراطوريّة الأميركيّة. لقد مات نابوليون في الغرب.

والمأساة السوريّة تبقى الحصيلة الأبرز للتحوّل هذا، والذي انضافت إليه عوامل داخليّة كثيرة لتحوّله من افتقار لدعم الغرب إلى استحالة ثوريّة.

وأمر كهذا يطرح أسئلة كبيرة وخطيرة على النفس وعلى الغرب في آن!

omantoday

GMT 05:48 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

المُنقضي والمُرتجَى

GMT 05:46 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

«طوفان الأقصى» و«ردع العدوان»: إغلاق النقاش وفتحه...

GMT 05:44 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

عام ليس ككل الأعوام

GMT 05:42 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 05:38 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

البحث عن المشروع العربي!

GMT 05:36 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

2025... العالم بين التوقعات والتنبؤات

GMT 05:30 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النقاش مستمر

GMT 05:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا نملك إلا الأمل في عام 2025

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن والغرب والثورات نحن والغرب والثورات



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

إطلالات كيت ميدلتون أناقة وجاذبية لا تضاهى
 عمان اليوم - إطلالات كيت ميدلتون أناقة وجاذبية لا تضاهى

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الوجهات السياحية لعام 2025 اكتشف مغامرات جديدة حول العالم
 عمان اليوم - أفضل الوجهات السياحية لعام 2025 اكتشف مغامرات جديدة حول العالم

GMT 09:56 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

طرق فعالة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab