سقوط الأسد وليلة المصائر الدمشقية

سقوط الأسد وليلة المصائر الدمشقية

سقوط الأسد وليلة المصائر الدمشقية

 عمان اليوم -

سقوط الأسد وليلة المصائر الدمشقية

بقلم:غسان شربل

لا مبالغة في استخدام كلمةِ الزلزال لوصفِ تلك الليلة الدمشقية الطويلة. انهيارٌ أسرع ممَّا تمنَّاه الخصوم. تجمَّعتِ الأمطار فاندلعَ الطوفان. لا الجيش مستعدٌّ لمواجهة السيل. ولا إيران قادرة. ولا روسيا راغبة. و«حزب الله» منهكٌ. أدركَ سيدُ القصر أنَّ استعادةَ زمن تفاهم سليماني - بوتين مستحيلة. شعر بأنَّ ما كُتب قد كُتب. هذا يحدث أحياناً. تتراكم أخطاءُ الحاكم فلا يبقَى إلا طريقُ المنفى ولا بدَّ من سلوكه. صعد إلى الطائرةِ وابتعد.

استيقظت سوريا ووجدت صعوبةً في التصديق. لم تجدِ الرَّجلَ الذي كانَ يُمسك منذ أربعة وعشرين عاماً بخيوطِ مصير البلادِ والعباد. الرَّجل الذي كانَ يعتقد أن وضعَه مختلفٌ عن الآخرين ومصيرَه مختلفٌ عن مصائرهم. لم يتوقع أن تتقدَّمَ دبابةٌ أميركية لاقتلاع تمثالِه على غرارِ ما فعلت في ساحة الفردوس البغدادية بتمثال صدام حسين. لم يساورْه القلقُ حين شاهدَ على الشَّاشة الليبيين يطاردون معمرَ القذافي ويطوون عمرَه وعهدَه. ولم يخطر ببالِه أنَّه قد يواجه المصيرَ الذي واجهه علي عبد الله صالح على أيدِي الحوثيين. ولم يتوقفْ طويلاً عند مشهد حسني مبارك يمثل أمامَ المحكمة. ولم يراودْه أبداً أنَّه سيواجه مصيراً مشابهاً لمصير زين العابدين بن علي حين سارعَ إلى طائرةٍ تعمل على خط المنفى هرباً من «ربيع الياسمين».

كانَ الأسد واثقاً في قرارةِ نفسه أنَّه قويٌّ ومختلفٌ وقادر على كبح العواصف خصوصاً بعدمَا نجحت طائراتُ بوتين وميليشياتُ سليماني في كبحِ إعصار «الربيع». كانَ الأسدُ يعتقد أنَّ والدَه أورثه نظاماً قادراً على مكافحةِ الحرائق واحتواءِ الزلازل.

كانتِ الزلازلُ كثيرةً في عهده الطويل. تعايش مع زلزالِ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وأمرَ أجهزةَ الأمنِ بتعاونٍ محدودٍ مع الأميركيين. ولم يكن آنذاكَ إيرانيَّ الميول لكن الغزو الأميركي للعراق دفعَه إلى سلوكِ طريقِ طهران. خافَ أن يكونَ «البعثُ» السوري الهدفَ المقبلَ للحملة الأميركية بعد «البعث» العراقي. التقت مصلحةُ النظامين السوري والإيراني على العملِ لزعزعةِ استقرار «التركيبة الأميركية» في العراق. فتحت سوريا وبتشجيعٍ من قاسم سليماني حدودَها أمام «المجاهدين» الراغبين في مقاومة الاحتلال الأميركي هناك.

سيجيء الزلزالُ الثاني من بيروت. في 14 فبراير (شباط) 2005 تطايرَ جسدُ رفيق الحريري في العاصمة اللبنانية. أرغمَ الغضبُ اللبنانيُّ العارمُ الأسدَ على سحب قواتِه من لبنان. سادَ في أوساط سورية أنَّ البلادَ التي وسّعها حافظ الأسد انحسرت في عهدِ نجله.

وفي 2006 خافَ «حزب الله» أن تؤديَ «حركة 14 آذار» اللبنانية إلى تغييرٍ في موقع لبنانَ الإقليمي فذهبَ إلى حربٍ مع إسرائيل وساهمَ في كسر عزلةِ دمشق.

في بداياتِ العقد الماضي هبَّت رياحُ «الربيع». اعتقد الأسدُ، كما اعتقدَ كثيرون انطلاقاً من تجربة ميخائيل غورباتشوف، أنَّ فتحَ النافذةِ لن يؤديَ إلَّا إلى دخول العاصفة. قمع الاحتجاجات وذهبَ بعيداً وأسرف. مئاتُ آلاف القتلى وملايينُ المهجرين وبراميلُ وأسلحة كيماوية. اقتربتِ المعارضةُ من قصرِه لكنَّ تفاهمَ بوتين - سليماني ساعده في ردع الزلزال.

أطلَّ الأسدُ على المسرح السوري في عام 2000 بعد ستةِ أشهر من إطلالةِ رجل اسمه فلاديمير بوتين على المسرح الروسي والدولي، وقبل عامين من إطلالةِ رجب طيب إردوغان. وإذا أضفنا إلى بوتين وإردوغان اسم المرشد علي خامنئي، نعرف الرجالَ الذين تركوا بصماتهم على مصير الأسد.

لم يتردد بوتين ذاتَ يومٍ في انتقادِ أخطاء الأسد أمام وفدٍ عراقي زائرٍ شارك في الشَّكوى من الرئيس السوري. لكنَّ حساباتِه ستختلف حين قرَّرَ تتويج استعادة القرم بالمرابطة على ضفاف المتوسط، فكانَ التَّدخلُ العسكري الجوي الذي واكبته ميليشيات سليماني المتعددةُ الجنسيات.

علاقةُ الأسدِ مع إردوغان كانت غريبة، فقد طالَ الغرام ثم طال الانتقام. اتَّكأ الأسدُ على الوسادة الإيرانية المضمونةِ بتشجيعٍ دائم من حسن نصر الله. صار «حزب الله» أقوى من الجيشِ السوري في سوريا فتعمَّقت حساسياتُ التركيبةِ السورية. لم تبخل إيرانُ على نظامِ الأسد بالدعم فسوريا ممرٌّ إلزامي في الطريق الذي يربط طهران ببيروت وهي طريق «الممانعة» والصواريخ.

حين أطلقَ يحيى السنوار «طوفان الأقصى» وتلاه نصرُ الله في إعلان «جبهة الإسناد»، حاول الأسدُ إبعادَ كأس وحدة الساحات عن شفتيه. دخلَ اللعبةَ الكبرى محاربٌ عدوانيٌّ شرسٌ اسمُه بنيامين نتنياهو سيترك بصماتِه أيضاً على مصيرِ الأسد. دمَّر نتنياهو غزةَ فوق رؤوس أهاليها ثم انتقل، على توقيت الانتخابات الأميركية، لشطبِ قيادة «حزب الله» وتماسك عموده الفقري.

اختلَّتِ التوازنات. في إدلب كان معارضو الأسدِ يتحيَّنون الفرصة. لم يصدقوا يوماً قصةَ «خفض التصعيد». على «توقيت ترمب»، اختار إردوغان معاقبةَ الأسدِ الذي رفض مراراً عرضَ اللقاء. معاقبة الأسد وأكراد سوريا معه. أطلقَ أحمد الشَّرع المكنى «أبو محمد الجولاني» الشَّرارة. تجمَّعت الأمطارُ الكامنة وتقدَّم الطوفانُ إلى حلب ومنها إلى حماة وبعدها إلى دمشقَ وحمص. سليماني غائبٌ ومثلُه حسن نصر الله. المرشدُ لا يملك حلاً. وبوتين غارقٌ في بحيراتِ الدَّمِ الأوكرانية.

كانت ليلةُ المصائرِ الدمشقية سريعةً ومباغتة. غيّرت مصيرَ سوريا بتوازناتِها وملامحِها وموقعِها الإقليمي. غيّرتِ المشهدَ في المنطقة. قطعت طريقَ تصدير الثورةِ والصواريخ بين طهرانَ وبيروت. أعادتْ «حزبَ الله» من دوره الإقليمي إلى الإقامةِ تحت خيمة القرار 1701. ليلةٌ سوريةٌ واحدة هزَّت التوازناتِ في لبنان.

كانَ المشهدُ أمس مختلفاً. سوريا بلا الأسد. وبلا المستشارين الإيرانيين. وبلا «حزب الله». صعدَ بشارُ الأسد إلى الطائرة وابتعد. حقبةٌ كاملةٌ طُويت. تركَ السَّيدُ الرئيس سوريا والمنطقةَ أمام استحقاقاتِ «اليوم التالي» وتحدياتِه.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سقوط الأسد وليلة المصائر الدمشقية سقوط الأسد وليلة المصائر الدمشقية



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab