ليلة القيصر
أخر الأخبار

ليلة القيصر

ليلة القيصر

 عمان اليوم -

ليلة القيصر

بقلم:غسان شربل

فرك عينيه كمن يشكك بما يراه. المشهد صعب التصديق. رهيب وغير متوقع. لم يسبق أن كانَ الحظ سخياً معه إلى هذا الحد. طلب من الحارس كميةً محترمة من الثلج، والزجاجة التي تليق باحتفال غير مسبوق. ارتبك الحارس. ليس من عادة سيد القصر أن يشرب. إنَّه رياضي لا يُفرّط بلياقته. نفّذ الرجل الأمر وأغلق الباب.

سكب في الكأس كمية محترمة. سمع صوت الثلج يتكسر كأنَّه يشارك في الاحتفال. وضع الشريط مجدداً. صدق أو لا تصدق. أغمض عينيه. جيد فعلاً إنه لم يقتل فولوديمير زيلينسكي بجحيم من الصواريخ على غرار ما فعل بنيامين نتنياهو بحسن نصر الله. أو بعملية نوعية لاغتياله في عاصمة أخرى على غرار ما فعل نتنياهو بزعيم «حماس» إسماعيل هنية في طهران. لو فعل لأعطى زيلينسكي فرصة الذهاب إلى القبر رمزاً أو بطلاً. وكانت تماثيله ستملأ ساحات الغرب، وسيحجز له التاريخ موقعاً على شرفته.

ما أروعَ أن ترى عدوك جريحاً ينزف! يضاعف المتعة أن تأتيه الطعنة من بيت أبيه. من سيد البلاد التي ضخت في عروق بلاده الأسلحة والمليارات. وأن يشكك الطاعن في صدق قضيته ونزاهته. وأن يطالبه برد الهدايا السخية. وأن يوقع على ما في تراب بلاده من معادن نادرة. وأن يستعد للتنازل صراحةً عن جزء من الخريطة التي يتمسك بحدودها الموروثة. ما أجملَ أن يتطوَّع من كان يفترض أن يكون خصمك بإطلاق زلزال على عدوك! وأن ينتشر المشهد في «القرية الكونية» كالنار في الهشيم. وأن يصور الزائر كأنه من قام باستفزازك وبادر إلى غزو بلادك.

ما ألذَ رائحة الثأر ومن دون أن تحمل الضربة القاتلة بصماتك! شعور يغسل الجروح التي تراكمت في روحك. جرح «الجيش الأحمر» ينسحب مكسوراً من أفغانستان. جرحك الشخصي يوم أتلفت الوثائق السرية في درسدن. ويوم تطايرت حجارة جدار برلين كأنَّها تساقطت على روحك. ويوم فاحت رائحة الخيانات وتسابقت الجمهوريات للقفز من القطار السوفياتي في أكبر عملية نكران جميل شهدها القرن الماضي.

رشفة أخرى. تخيل الخيبة تغمر الرجل الجالس في مكتب شارل ديغول. ذهول الرجل المقيم في مكتب مارغريت ثاتشر. حزن الرجل الذي يتمشَّى في مكتب أنجيلا ميركل. ذهب أبعد. تصور الجو المرتبك في قصر القرار في تايوان. واليابان. وكوريا الجنوبية. تخيَّل ملامح بارونات الاتحاد الأوروبي. وجنرالات حلف «الناتو». ماذا يبقى من هيبة الحلف حين تقر أميركا بحق بوتين في اقتطاع وجبة كبرى من اللحم الأوكراني؟ أغلب الظن أنَّ الرجل الجالس على عرش ماو تسي تونغ يشعر بالبهجة رغم خوفه من عودة سيد الكرملين إلى زمن «التانغو» مع البيت الأبيض.

راودته للحظة فكرة غريبة. ماذا لو كان جالساً مكان زيلينسكي وخاطبه دونالد ترمب بمفردات من القماشة التي استخدمها مع ضيفه الأوكراني. أغلب الظن أنَّ العالم كان سيقترب من وليمة نووية كاملة. ضحك. هذا يستحيل أن يحدث. لا روسيا هي أوكرانيا ولا فلاديمير بوتين هو زيلينسكي. من حُسن الحظ أنَّ الرجل الممسك بالبيت الأبيض هو صديقنا كي لا نقول رجلنا.

يتكسَّر الثلج كما تتكسَّر أحلام زيلينسكي وداعميه. كانت السنوات الثلاث الماضية مؤلمة. لم يسقط سيد كييف حين توغلت الدبابات في جسد الخريطة الأوكرانية. الخريطة التي سلبها الغرب من بلاده. تدفقت المساعدات الغربية وعادت إلى روسيا نعوش كثيرة. أوجعته عودة النعوش وإصرار الغرب على استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً. أرغمته على الاستعانة بقوات حفيد كيم إيل سونغ. ما أصعبَ أن يشعر سيد الكرملين بالخيبة من جنوده وجنرالاته! يعرف أن جنرالات الأطلسي ابتهجوا. قالوا إذا كان «الجيش الأحمر» لم يستطع تركيع الجيش الأوكراني، فماذا كان ليفعل لو واجه جيوش «الناتو»؟ وماذا كان سيحل به لو واجه أفضل آلة عسكرية في التاريخ اسمها الجيش الأميركي؟

انتظر ترمب بفارغ الصبر. ولم يخيّبِ الرجلُ صديقه رغم دسائس الأوروبيين. وهو لم يبخل على أميركا بالهدايا. لم يبخل على إسرائيل. لم يحاول عرقلة طائراتها حين لاحقت الوجود العسكري الإيراني في سوريا وأخرجته. لم يحاول إنقاذ بشار الأسد كما فعل سابقاً. اكتفى بمنحه اللجوء لأسباب «إنسانية». لم يحاول عرقلة الانقلاب الكبير في الشرق الأوسط.

يعرف ما يقوله الأوروبيون. يقولون إنَّ انتصاره في أوكرانيا سيضاعف شهيته لاسترداد بعض الأراضي السوفياتية. ماكرون يقول إنَّ بوتين «سيذهب بالتأكيد إلى مولدافيا وربما إلى أبعد من ذلك إلى رومانيا». يقول أيضاً إنَّه إذا تم وقف النار من دون ضمانات أمنية لأوكرانيا، فإنَّ قدرة أميركا «على الردع الجيواستراتيجي في مواجهة روسيا والصين وغير ذلك ستتلاشى في اليوم نفسه». يعرف أنَّ أوروبا شاخت وتفتقد الروح القتالية. وأنَّ ما ستقدمه لزيلينسكي من مساعدات وضمادات لا يكفي لبلسمة الجرح الكبير الذي أصابه بفعل طعنة ترمب.

من دون القوة الأميركية الهائلة لا يستطيع الغربُ إعادةَ عقارب الساعة إلى الوراء، لا في أوكرانيا ولا في غيرها. نفّذ «الرفيق» ترمب مهمته بإتقان شديد. ولا بأس أن يُكافأ لاحقاً بجائزة «نوبل» أو وسام لينين. رجل يستحق. مهمة كان يعجز عن إنجازها جيمس بوند الذي أعجب به القيصر يوم كان في مطلع شبابه يقرع باب الـ«كي جي بي» ويدخل. عليه أن يرقصَ مع ترمب خصوصاً حين يتصرَّف كنمر جريح. هذه ليلة القيصر وتستحق الاحتفال. حين يكون اسم سيد المكتب البيضاوي دونالد ترمب على العالم أن يسارع إلى ربط الأحزمة.

 

omantoday

GMT 21:45 2025 الجمعة ,04 إبريل / نيسان

القيامة بدأت في غزة!

GMT 21:44 2025 الجمعة ,04 إبريل / نيسان

حزب البقالين

GMT 21:43 2025 الجمعة ,04 إبريل / نيسان

لبنان... هل جرت في النهر مياه أخرى؟

GMT 21:42 2025 الجمعة ,04 إبريل / نيسان

هل ينتهي الحوثي ورُعاته؟

GMT 21:40 2025 الجمعة ,04 إبريل / نيسان

في أهمية ملاقاة الرعاية والدعم السعودي!

GMT 21:38 2025 الجمعة ,04 إبريل / نيسان

ترمب وفخ المرشد

GMT 21:36 2025 الجمعة ,04 إبريل / نيسان

الشرع والسوداني وبيانهما

GMT 21:35 2025 الجمعة ,04 إبريل / نيسان

أزمة انبهار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليلة القيصر ليلة القيصر



إطلالات هدى المفتي تجمع بين الأناقة العصرية والبساطة

القاهرة - عمان اليوم
 عمان اليوم - رانيا يوسف تردّ على انتقادات تقديمها الكوميديا

GMT 19:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 09:21 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الميزان

GMT 05:19 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في منزل الحب يساعدك على التفاهم مع من تحب

GMT 04:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر

GMT 19:12 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 21:01 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 06:35 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك نجاحات مميزة خلال هذا الشهر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab