عقدة القصر

عقدة القصر

عقدة القصر

 عمان اليوم -

عقدة القصر

غسان شربل

الوضع هادئ في الشرق الأوسط. مستقر. وآمن. عاصمة الرشيد تعمل كالساعة السويسرية. دار الأوبرا مكتظة في الموصل. والأنبار تنوء تحت تكاثر الأعراس. العلاقات السنية - الشيعية تعاني الاختناق من شدة العناق. وعلاقات أربيل مع بغداد سمن وعسل. جمع الخليفة البغدادي كبار معاونيه. أمر بتسريع ترجمة أمهات الكتب. اطمأن الجنرال قاسم سليماني إلى سير الأوضاع في الهلال فتفرغ لكتابة مذكراته.

الوضع ممتاز في سورية. لا سيارات مفخخة ولا انتحاريين ولا براميل. «المجاهدون» الأجانب تحولوا سياحاً. يلتقطون صوراً تذكارية لما تبقى من سورية. لا أيتام في حمص ولا أحياء مطحونة. ومصانع حلب تعمل بكامل طاقتها. مواويل المزارعين في إدلب تتردد في الأودية. وكوباني في أيد أمينة. والمكونات غارقة في غرام عنيف.

الوضع نموذجي في لبنان. زحمة سير خانقة بسبب ارتفاع عدد السياح العرب والأجانب. لا تشييع في الجنوب لمقاتلين سقطوا في سورية. ولا حديث عن «بيئة حاضنة» في طرابلس وعكار. النواب يعملون بكامل لياقتهم بعد بطالة مديدة وتمديد ممتع. والحكومة شديدة التماسك كالبنيان المرصوص. المحللون العسكريون يعانون البطالة. وحمام السلام يرفرف فوق مخيمات اللاجئين والنازحين القدامى والجدد. القصر الجمهوري خلية نحل. استقبل الرئيس ميشال عون السفيرين الإيراني والأميركي والأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني - السوري. ثم عقد اجتماعاً خصص بمنع اقتراب فيروس إيبولا من «شعب لبنان العظيم». وفي مكتب جانبي كان نواب من «تكتل التغيير والإصلاح» يدرسون اقتراح تعديل دستوري بجعل ولاية الرئيس مفتوحة على مصراعيها.

أنا صحافي يحب الإثارة. المناطق الهادئة الوادعة لا تثير شهيتي. لهذا نقلت اهتمامي إلى القارة السمراء. أقلقني الوضع في بوركينا فاسو. نسبة البطالة تقترب من الـ60 في المئة. ومثلها نسبة الأمية. و40 في المئة من السكان يعيشون في فقر مدقع. وعلى رغم ذلك يصر الرئيس على متابعة رسالته في إسعاد شعبه.

غضب المعارضون لأن الرئيس بليز كومباوري المقيم في القصر منذ سبعة وعشرين عاماً يحاول مجدداً تعديل الدستور لتمديد إقامته. غاب عن أذهانهم أن سيد القصر غالباً ما يعتبر الدستور حاجباً مطيعاً يقف على بابه. وأن أي كلام عن موعد انتهاء ولاية الرئيس هو في النهاية مؤامرة إمبريالية ترمي إلى حرمان الشعب من قائده التاريخي.

انزعج الرئيس من وقاحة الشعب وسذاجته. لا يصل القائد إلى القصر ليتحول أسيراً لشكليات الدستور وكيديات الحاسدين. واجب الرئيس ألا يغادر إلا حين يناديه القبر. آنذاك يذهب مثقلاً بالأوسمة وملفوفاً بالعلم الوطني تجره عربة مدفع وسط نواح الحاشية وبكاء الإذاعة الرسمية.

المعارضة وقحة وظالمة. تقول إن النقيب كومباوري الذي دخل القصر في انقلاب في1987 لم يستطع غسل أصابعه من دم سلفه وصديقه توماس سانكارا. ولا من دم صحافي صدق أن من حق الصحافي نشر الحقائق وإزعاج القصر. فضلاً عن جملة أحداث غامضة شديدة الوضوح. وأنه سبق وتحايل على الدستور لعجزه عن رؤية رجل آخر يمسك بالأختام.

يقول المعارضون أيضاً إن كومباوري كان تلميذاً نجيباً لمعمر القذافي. وسبح في عطاياه. واستضاف القمة الأفريقية التي قررت انتهاك الحصار الذي كان مفروضاً على ليبيا بسبب أزمة لوكربي. وأنه أرسل أسلحة إلى سيراليون وليبيريا والكونغو. وأنه برع في تأجيج النزاعات ثم في تقديم نفسه وسيطاً. وتقول أيضاً أنه لم يكن غريباً عن شبكات «الألماس الدامي» في قارة القهر والمناجم والدموع.

تعب الناس من الرئيس. معظمهم ولدوا تحت صورته. تعبوا من أناقته وبراعاته ومن نفوذ شقيقه. من شعوره أنه أنقذهم وإصراره على حمل المشعل. حاول مقاومة العاصفة لكنهم احتلوا الشوارع. لم يكن أمامه غير الاستقالة والفرار من القصر والبلاد وهذا ما فعل. لا شك أن خبر فراره استقبل باهتمام وقلق من حكام أفارقة يرفضون مغادرة القصر في الكونغو والكاميرون وتشاد. أغلب الظن أن «الربيع الأفريقي» سيكون باهظاً أيضاً.

ما أصعب مغادرة القصر. لا مهنة أخرى تغري من يجربه. عقدة القصر مأساة أنجبت أنهاراً من الدم. كأن الرئيس يموت إذا انتهت ولايته. لهذا يرفع شعار «أنا أو لا أحد». لهذا يفضل أن يكون اسم خليفته الطوفان.

أتظاهر بأنني صدقت حين يقول لي حاكم إنه ينتظر لحظة التفرغ لملاعبة أحفاده. كشف «الربيع العربي» أعراض لعنة القصر لدى من غادر ولدى من عاند. أظهرت الأيام أن عقدة القصر مستشرية من واغادوغو إلى بيروت مروراً بعواصم كثيرة.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقدة القصر عقدة القصر



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab