قبل أن ننقرض

قبل أن ننقرض

قبل أن ننقرض

 عمان اليوم -

قبل أن ننقرض

غسان شربل

أنتِ أميركا. السياسات الخرقاء. اليد الثقيلة. القوة الغاشمة. مصاصة الدماء. حليفة المستبدين. حارسة الكيان الغاصب. سيدة البحار وسيدة الأجواء. انت القوة الفاحشة. والشركات العملاقة. والجامعات اللامعة. والانعطافات المؤذية. والهيمنة المخيفة.

أنتِ أميركا. صانعة الحروب. من خليج الخنازير إلى كوريا إلى فيتنام، وصولاً إلى غزو العراق. نعرفك من خيباتنا معك، وصلف سفرائك، وسذاجة مبعوثيك.

أنتِ أميركا. تظاهرنا ضدك هنا وهناك. وهجوناك دائماً، وحلمنا بطردك من منطقتنا. وقلنا أنك المرض الأول، وابتهجنا حين خاطبك مستبد بلهجة التحدي. وحاول آخر إضرام النار في ردائك. وحين أذلّك آخرون بتحويل مواطنيك رهائن.

أنتِ أميركا. نعرف تاريخك. وخطورة الاتكاء عليك. ومع ذلك نناشدك اليوم أن تشفقي قليلاً، على رغم تبرّمك منا، وخيبتك من الإبحار معنا. نناشدك. نتوسل إليك. افعلي شيئاً قبل أن ننقرض. خرائطنا تمزقت. عواصمنا مقابر واسعة. لا تغسلي يديكِ من مصيرنا. لا تتهربي من رائحة دمنا. من الرؤوس المقطوعة فوق ترابنا. من جيوش الظلام التي انخرط فيها الذبّاحون والمستبيحون.

لا تتركينا.

أفكر في الجندي العراقي الذي قطعت «داعش» رأسه في الموصل. أفكر في الجندي السوري الذي قطعت «داعش» رأسه في مطار الطبقة. أفكر في الجنود اللبنانيين الذين خطفهم الإرهابيون من عرسال... في الجنود اليمنيين يُعدَمون على أيدي «القاعدة»... في مطار طرابلس يحترق على أيدي مرتكبي عملية «فجر ليبيا». أفكر في الأطفال النائمين تحت ركام منازلهم وأمهاتهم في غزة.

لا تتركينا.

نحن شعوب فاشلة، وخرائط فاشلة، وحكومات عاجزة، وبرلمانات للتصفيق والتهريج. نحن جيوش تلتهم الوطن والمواطنين في زمن السلم وتفشل في الدفاع عن الخريطة في زمن الحرب. جيوش تمضي عمرها في تهديد العدو لكنها لا تنهال إلا على مواطنيها.

أشمُّ رائحة الفشل، في بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء، وطرابلس. فشل الجيوش الكبيرة والجيوش الرديفة. أشم رائحة الميليشيات والارتكابات. أسمع قرقعة عظام الدساتير والأحزاب الكرتونية الشرهة. أشمُّ رائحة التعصب، وسدود الكراهية التي تتحيَّن الفرص لتبوح بمكنوناتها.

نحن أيتام وعراة.

فشلنا في العراق، وفي سورية، وفي ليبيا، وفي كل مكان. الفشل العربي صارخ. ومثله فشل الدول الإقليمية الكبرى التي توهمت أن موسم القطاف قد حان. ليس لدينا من نلجأ إليه. قطع الفشل رأس الجامعة العربية. قطع رأس مجلس الأمن.

أسمعهم على الشاشات. يطلّون من المخيمات ويسألون أين أميركا؟ لم أسمعهم يستغيثون بجيمس بوند الكرملين. بالرجل الذي اصطاد في الدماء السورية حتى ارتوى. لم يكن مهتماً بغير غسل «الصفعة الليبية». لم يوظف علاقاته لتشجيع حل سياسي، فعلي وواقعي. بدا القيصر صغيراً وشرهاً وأقل قدرة على ممارسة المسؤولية الأخلاقية والدولية. إلتهم القرم وتسلّى بتفكيك أوكرانيا وتسميم العلاقات الدولية. لا أحد يستنجد بالقيصر. لا أحد يناديه. أسلوبه قد يساهم في ظهور «داعش» ذات يوم في الاتحاد الروسي نفسه.

أكتب غاضباً تحت وطأة ما سمعتُ من سياسي مقيم في قلب الزلزال الحالي. قال: «إذا لم يحسم باراك أوباما أمره سريعاً سيتمكن تنظيم «داعش» من ترسيخ وجوده. هذا يعني سنوات من المذابح ونهاية العراق وسورية وربما أماكن أخرى. نحن نطالب بتحرك دولي وإقليمي لكن عصب هذا التحرك لا يمكن أن يكون إلا أميركياً».

وأضاف:»نحتاج إلى مجموعة خطوات. إلحاق الهزيمة بـ «داعش»، ووقف النزاع الشيعي- السني، وفرض حل سلمي في سورية، ووقف سياسات زعزعة الاستقرار في المنطقة، وإنشاء إطار إقليمي لاحتواء النزاعات تحت مظلة دولية».

لم تبدأ المأساة مع «داعش». بدأت قبله بفعل سياسات الاستبداد والإقصاء والتهميش والفساد. بدأت مع التزوير الممنهج للإرادات والمؤسسات. مع السياسات الفئوية والأحلام الانقلابية. مع انتصار نهج الشراهة على نهج الشراكة داخل الدول وعلى مستوى الإقليم. بدأت مع احتقار حقوق المواطن والإنسان والقوانين الدولية والحدود الدولية. مع إنكار حق الآخر في الاختلاف. مع تزوير الكتب والدراسات والانتخابات والإحصاءات.

ما أقسى أن يقول لك رجل يعرف، أن مصير المنطقة معلّق على قرار سيد البيت الأبيض. وأن الوقت يدهم. نبتهج بطرد الأميركيين ثم نتوسل تدخلهم. نعلّق عيوننا على برنامج أوباما ونناشده: تَدَخَّل قبل أن ننقرض.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبل أن ننقرض قبل أن ننقرض



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab