أبو الجليل

أبو الجليل

أبو الجليل

 عمان اليوم -

أبو الجليل

حسن البطل

لا أدري كيف تحمّل أبو "الجليل" نكبته بصواريخ "سام - 5" لأنني هجرت، ربما للأبد، طريق بيروت - دمشق منذ صيف العام 1982.
كنت، إذا صفا الجو بين تلبيدتين في سماء العلاقات الفلسطينية - السورية، اخطف رجلي الى دمشق الشام، فلا بد لي من وجه أُمي، ولا بد لها من رؤية ابنها .... النجيب!.
بعد نقطة "الجديدة" الحدودية اللبنانية، وقبل "ضهر البيدر" كنت انعطف، أحياناً، في عودتي من دمشق الى قرية "راشيّا الوادي" حيث "أبو الجليل" وحقوله، لأمضي سحابة نهار، أحياناً، في ضيافته... او ساعة وسويعات من ضيافة النحات المصري محمد هجرس.
فلاح لبناني ستّيني، ويعتمر الحطّة البيضاء والعقال الأسود .. و "الساكو" مثل أبي رحمه الله، ومثله أيضاً ربع القامة منتصبها، متين البنيان.
وجه "أبو الجليل" يطفح بعافية الحقول والشمس، وبالطعام الشهيّ الذي تعدّه له "أم الجليل" زوجته الصبية نسبياً. فلا يوجد جليل ولا جليلة، لا ولد بكر ولا بنت تنتظر عريساً. لذلك، ينادونه "أبو جليل" باللام المعرفة.. واناديه بما ينادونه.
خيبته من الانجاب، عوّضتها عليه زوجة ربما كانت كالريم بين الغزلان، فأضحت "البقرة" الاكثر إثرة الى نفسه.
عاد أبو الجليل من غربته في نيجيريا التي اخذت من عمره عشرين عاماً، الى حقوله في راشيّا الوادي. ومنها يحصد قمحاً صلباً، فتطعمه زوجته من قمحه خبزاً هو أشهى "عيش" تناولته في عمري.. ومن ثمرات أشجاره، مشمشاً وخوخاً، المربى الأشهى. ومن حليب بقراته الجبنة البيضاء الأطيب.
لكن، صلابة عوده وقوة إيمانه، ووجهه الذي يطفح بالعافية، وأشهى طعام تعده زوجته، وكثير من الجوز واللوز والعنب المجفّف، لن تجعل "أبو الجليل" قادراً على الإنجاب.
لو العلّة في بعلته لطلّقها او تزوج عليها. لكن أصالتها وإخلاصها... والتقاليد، والعمر الذي ضاع بين غزالة لاهية وبقرة ثلاثينية، حرمتها من انجاب "جليل" او "جليلة".. فلا زوج آخر، فلا ولد من رجل آخر.
أبو الجليل يكدّ في حقوله الخيّرة، وام الجليل تكدّ في بيتها، وهذا الجانب من القصّة لم يقصّه بلسانه، لكن بلسان الجارة. فلسانه لا ينطق سوى بعصاميته في نيجيريا، التي مكّنته من شراء أراضٍ أُخرى.. وبقرات أخرى.
ذات يوم، تباريت واياه بمسدسه على رماية هدف، فكانت المباراة فاتحة موضوع عن "جيرانه" الجدد. جنود بطاريات صواريخ سام - 5 السورية في البقاع، التي اثار تحريكها اواخر السبعينيات من سورية للبقاع، أزمة اتخذت بعداً اقليمياً ودولياً.
"أبو الجليل" كان يفتخر ان "ذبابة إسرائيلية" واحدة لن تحلّق فوق حقوله، او على مدى بصره. والاّ .. لماذا خَفَت هدير طائرات فانتوم - ف 4 بعد ان ربضت هذه الصواريخ في مكامنها .. على حافة حقوله الخضراء.
كنت أجاريه في طمأنينته المستجدة ما استطعت أدباً، لكن لا أشاركه فيها. قلت له: سيجد الإسرائيليون جوابهم على هذا التحدي، كما وجد العرب جوابهم على تحدي تفوّق سلاح الجو الإسرائيلي في العام 73.
ولكن، عبثاً فان كان هو لم ينجب، فان صواريخ سام - 5 تصيب ولا تخيب ابداً. وكان "أبو الجليل" مؤمناً، وقال مرة ان انكر اصوات الطائرات هو هدير طائرات فانتوم ف - 4، فهو يعرف صنوف طائرات اسرائيل من "زقزقاتها"!.
بقيّة القصة، وفي طيّاتها نكبة "أبو الجليل"، تجدونها في بطون الصحف والكتب: أرسل الاسرائيليون "ذبابات" طائرة بلا طيار، استثارت حميّة صواريخ سام - 5، ثم جاءت على التوّ طائرات بطيارين يطلقون صواريخ جو - أرض ذكية "من وراء الأفق" ولاحقت ذبذبات صواريخ سام - 5.. التي صارت هباء منثوراً.
.. وكذلك لواء المدرّعات السوري، الذي تقدّم، بلا غطاء جوي، في حرب العام 82 تكدّس هشيمه المتفحم على طريق البقاع، ليس بعيداً عن "التكويعة" التي تتفرع منه الى "راشيا الوادي".
هل عاش "أبو الجليل" حتى "فشّ غلّه" بصواريخ صدّام.. او مات قبل ان يشهد صواريخ نصر الله التي غيّرت معطيات الوضع الاستراتيجي في حينه.. والى الآن.
لكن، لا شك انه تمتع بأشهى خبز تعجنه وتخبزه "أم الجليل" من قمح أرض يزرعه ويحصده "أبو الجليل".

omantoday

GMT 10:14 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 10:13 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 10:12 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 10:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 10:09 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

GMT 10:08 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تسييس الجوع والغذاء

GMT 10:07 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

إيران: مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة

GMT 10:05 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان بين إعادتين: تعويم أو تركيب السلطة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبو الجليل أبو الجليل



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:56 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج السرطان

GMT 17:07 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 09:54 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الحوت

GMT 21:12 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 05:12 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في منزلك الثامن يدفعك لتحقق مكاسب وفوائد

GMT 04:25 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab