قلبه جمرة عيناه كريستال

قلبه جمرة عيناه كريستال !

قلبه جمرة عيناه كريستال !

 عمان اليوم -

قلبه جمرة عيناه كريستال

حسن البطل

.. لكنه يحكي كما تحكي جمرة في كأس من الكريستال. كيف كان سيحكي لو أنه قطم طرف لسانه. قال لي، في انعطافة مفاجئة، لحديث طلي إنه يحلم، بل ويهم أن يفعل. "ليتني بلا لسان".
كان الوسن مثل فراشة تنتقل من جفوني إلى جفونه، وكان الطريق طويلاً بين موسكو وليننغراد.
كانت وجهة القطار عاصمة القياصرة، وكانت وجهتنا في سان بطرسبرغ متحف الأرميتاج. كان السهل أبيض في تشرين الثاني!
تخيلته، بسهولة تامة، أبكم أخرس. رأيت، بوضوح تام، أن قلبه هو الجمرة؛ وأن عينيه هما زجاجتان من الكريستال. قال لي: عوفيت. هذا هو المرام؛ مرامي.
في ردهات " الأرميتاج" حظيتُ بدليلين: هو، وزوجتي. حظيت برؤيتين خفيفتين للوحات " المرحلة الزرقاء": رؤيته ورؤية زوجتي. كان بيكاسو "مجنوناً"، وكان مصطفى الحلاج "مجنوناً"، وزوجتي "مجنونة" مثلهما. الرسامون مجانين حقاً!
بفضل جنون هذين الرسامين التشكيليين، حظيتُ معهما بما لا يحظى به زوار ذلك "الأرميتاج"، أو " اللوفر الروسي".
من الردهات الفاخرة، قادتنا الدليلة الروسية (بعد إيماءة من رأس مرافقنا الحزبي د. سيرغي سيرغييف، إلى قبو، وإلى ضوء شحيح. كل تلك اللوحات الحديثة (في أوانها) الطلائعية - التطلعية، المتفلتة من ثقافة البروليتاريا الفنية والتشكيلية.. كانت هناك، محجوبة بستارة "الواقعية الاشتراكية".
في ذلك القبو، وأمام تلك الروائع، لم يكن لمصطفى الحلاج لسان بالمرة.. وكانت عيناه مثل جمرتين في كأس من الكريستال.
لا يوجد، حسب ظني، كريستال غير أبيض. لا توجد، حسب يقيني، جمرة غير حمراء. لسبب ما خرجت الجمرة من كأس الكريستال، لكثرة ما اشتهت عناق الخشب، الذي يحفر عليه، أو يحرقه، النحات مصطفى الحلاج.
لا يمكن إطفاء النار بالنار. خرجت الجمرة من قمقم كأس الكريستال، والتهمت "الأساطير" التي حفرها الحلاج، ثلاثين عاماً.. ثم لم ترتوِ. ذاقت طعم شواء جلد لحمه.
كان "بروميثيوس" يحمل الشعلة في يده. وأما مصطفى الحلاج فقد كان يحمل الجمرة في قلبه.. ولوحاته التي لم تكن، قط، للبيع، اشترتها شهوة النار لخلود الرماد... واشترته أيضاً إلى نوع من خلود المأساة.
قطار في السهل الروسي يسعى إلى أفق بعد الأفق بعد الأفق، جعلني صديقاً للحلاج.. فهل كنت صديقه؟ يا ليتني كنت صديقه!

لوح ومعنى
كان عمي "لوِّيحاً" إذا كانت الدبكة دبكة. قال رفيقي طلعت في قبرص. كان أبي شجي الصوت إذا كان العرس عرساً. قال رفيقي طلعت.
عدت، مع "أولاد العم"؛ أولاد عم "لَزَم" كما يقولون. عدنا حطام فريق تحرير المجلة المركزية. عاد توفيق إلى كنف العائلة؛ وعاد طلعت إلى كنف العائلة.. وأنا عدت إلى كنف البلاد.
لن تلحق بي أمي العجوز، التسعينية، من دمشق إلى رام الله، كما لحق أولاد العم ليعيشا، سنوات قليلة، قرب الأب.. وليقوما، على التوالي، بواجب الابن في دفن أبيه بمراسيم عائلية لائقة.
بدا لي "أبو طلعت" مثل هرّ هرم، أو، بالأحرى، في مثل رشاقته الغاربة. كان"لوِّيحاً"، وكان ذا صوت شجي.. لكنه كان صفحة من تاريخ اللجوء، وتاريخاً كاملاً في حياة المخيم.
شيء ما، جينة ما، جعلت طلعت سديد الفكر، نير العقل، كان علي أن أعود إلى البلاد مع الرفاق، أولاد العم، لأعرف سر الحساسية المفرطة.
كان طلعت قد ورث هذه الجينة النبيلة من والده، كنا نتعب وقوفاً من حكاياته الطويلة - المشوقة، وكان يرويها واقفاً على قدميه، كان ينشدها، كان يمثل، بحركاته الرشيقة، وقائعها.. وأخيراً، تأتي تلويحة الغياب.
كيف أمد يدي، من رام الله، لأصافح صديقي؟ كيف أقبل وجنتيه وأضمه، وأقول له: "البقية في حياتك"؟ لم يكن الموت - موتنا عادياً في بيروت، ولم يكن عادياً في قبرص.. وفي البلاد عدنا إلى "الموت العادي" قضاءً وقدراً، دون أن نغادر زمن الموت الاستثنائي!

هلال "بعل"
كم قرناً/ ذراعاً للهلال؟ ثمة حقل هلالي على مرمى نافذة بيتي الغربية. مجرد قطعة أرض تخلو، على غير العادة، من شجرة مثمرة أو حرجية.
مجرد قطعة أرض هلالية الشكل لا ينفك المحراث عن قلب تربتها بين فصل وفصل، ولا ينفك ثوبها الأخضر عن التجدد في فصلي الربيع والصيف.
مجرد سفح تلة جرداء من الأشجار، مجرد حقل للزراعة الفصلية الحثيثة، من بقوليات وخضراوات تحيط به الأشجار.
في وسط ذلك الهلال، أو في البقعة الأكثر انخفاضاً منه، تتشكل، في السنوات المطيرة؛ في أيام "المربعنية" بركة من الماء، إذا رأيتها من نافذة المطبخ أصدق أن السماء جادت بالغيث حتى أروت.
أحياناً تبدو البقعة لحافاً أبيض من الثلج، أحياناً تبدو هلالاً طينياً، أحياناً تبدو هلالاً أخضر.
هذه السنة أمطرت و"أروت" قبل أن تهل "المربعنية".. وتشكلت تلك البركة.. التي لا تلبث أن تغدو خضراء فصلاً كاملاً من العام.
أسأل بائع الخضراوات في القرية: بندورة بلدية؟ نعم. من هناك؟ نعم. لعلها مجرد عادة أن "استطعم" خضراوات البعل. لعلها مجرد عادة أن ألقي نظرة من نافذتي إلى تعاقب الجدب والخصب، هذه بلاد "بعل" أليس كذلك؟!.

 

omantoday

GMT 10:14 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 10:13 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 10:12 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 10:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 10:09 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

GMT 10:08 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تسييس الجوع والغذاء

GMT 10:07 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

إيران: مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة

GMT 10:05 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان بين إعادتين: تعويم أو تركيب السلطة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قلبه جمرة عيناه كريستال قلبه جمرة عيناه كريستال



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab