تراجع شرعية العدل لصالح شرعية القوة

تراجع شرعية العدل لصالح شرعية القوة

تراجع شرعية العدل لصالح شرعية القوة

 عمان اليوم -

تراجع شرعية العدل لصالح شرعية القوة

معتز بالله عبد الفتاح

فى الفترة نفسها التى ثار فيها الجدل بين الغزالى وابن رشد (القرن الثانى عشر الميلادى)، بما يمثله الأول من تغليب النصوص المنسوبة للرسول، صلى الله عليه وسلم، وحتى وإن لم تكن بالضرورة دقيقة كما عرفنا لاحقاً من جهود علماء آخرين مثل الحافظ العراقى الذى قام بتأصيل كتابات أبى حامد الغزالى. وما مثّله الآخر، ابن رشد، من الاستعانة بأساليب المنطق اليونانى والنظر العقلى والفلسفى فى الكثير من أمور الدين والحياة.

ولا يتنافس الرجلان فى القدرات العقلية أو المهارات الفلسفية والمنطقية، فكلاهما فيلسوف له باعه، ولكن ما أُخذ عنهما أوصلنا إلى أن الالتزام بالنص، حتى وإن كان شاذاً، أولى من إعمال العقل، حتى وإن كان سليماً. وهو ما جعل ابن تيمية لاحقاً يصل إلى استنتاج أن صحيح المنقول لا بد وأن يتفق مع صحيح المعقول. ولكن تلاميذه المعاصرين اعتبروا أن المنقول هو المنقول عن ابن تيمية والمعقول هو المعقول عند ابن تيمية، فأساءوا للرجل كما أساء السابقون عليهم لابن رشد وللغزالى.

لكن فى الأجواء نفسها كان العالم الإسلامى يواجه خطر الحروب الصليبية وفى أعقابها غزوات التتار. وكلاهما خطر يتطلب «عسكرة» المجتمع، بمعنى أن يعيش المسلمون لفترة طويلة من الزمن ستمتد إلى يومنا هذا، مع استثناءات قليلة، فى حالة استعداد دائم لمعركة عسكرية مقبلة: حقيقية أو متوهمة. ومن هنا كان حكم الأيوبيين ثم المماليك ومن بعدهم حكم العثمانيين للقيام بوظيفتين أساسيتين: منع الفتن الداخلية من جهة وحماية دار الإسلام من الخطر الخارجى من جهة ثانية. فلم يعد العلم الدنيوى والاجتهاد الشرعى إلا تابعين للوظيفة الأساسية وهى وظيفة درء الخطر الخارجى أساساً. وفى هذه الأحوال يبحث الإنسان عن شرعية القوى حتى وإن كان مخطئاً جاهلاً ظالماً فاسداً، وليس عن شرعية الضعيف حتى وإن كان مصيباً عالماً عادلاً نزيهاً، وحديثاً قيل: «لا صوت يعلو على صوت المعركة». فكان المنطق الأسلم هو القبول بما سُمى فى الفقه بـ«أمراء الاستيلاء» أو سُموا لاحقاً بـ«أمراء التغلب» وانتهى الحال ببعض الفقهاء مثل الماوردى والجوينى أن أعطوا لهؤلاء شرعية مستقلة عن شرعية الخليفة لأن سلاطين التغلب ينهضون بما نهض به الخلفاء قبلهم من حفظ الوحدة والدفاع عن دار الإسلام. وهكذا بدلاً من أن كانت شروط الخليفة أو ولى الأمر تجعل منه حاكماً عالماً مجتهداً عادلاً حراً عاقلاً قادراً على القيام بالتكاليف الشرعية والاستنباطات الفقهية، حاملاً للرأى المفضى إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح والكفاية الجسدية والقدرة على حماية البيضة وجهاد العدو، بدلاً من كل هذه الشروط، تحول الأمر إلى «أصلح الله من أصبح» أى أصلح الله الحاكم الذى أصبح يحكمنا سواء وجدت فيه هذه الصفات أم لم توجد. وهو تطور خطير، فبدلاً من أن يزيد المسلمون من شروطهم فى من يلى أمورهم، أصبحوا يقبلون من يحكمهم بنفس منطق قبولهم لنزول المطر أو غيابه، أو حدوث الزلازل أو امتناعها. أقصى ما يستطيعون هو الدعاء: «اللهم وَلِّ أمورنا خيارنا». وهى نظرة تواكلية ما أتى بها الإسلام ولكن ابتكرها الفقهاء المسلمون، مضطرين أحياناً ومختارين أحياناً أخرى، فى عصور التخلف التى امتدت طويلاً. إذا نظرنا لهذه العوامل مجتمعة، فضلاً عن المحطات الأخرى التى سنتناولها فى المقال المقبل، يتبين أن بذور التخلف فى مجتمعاتنا لها نصيب عميق الجذور، ولكن الحل لن يتطلب مئات السنين، فنهضة المجتمعات المعاصرة كانت سريعة بفعل عوامل العصر الذى نعيشه، على نحو ما سنرى، المهم أن نفهم أصل الداء وبدائل العلاج، والله المستعان.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تراجع شرعية العدل لصالح شرعية القوة تراجع شرعية العدل لصالح شرعية القوة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab