أبعد من مجرد «ثرثرة فوق النيل»

أبعد من مجرد «ثرثرة فوق النيل»

أبعد من مجرد «ثرثرة فوق النيل»

 عمان اليوم -

أبعد من مجرد «ثرثرة فوق النيل»

عريب الرنتاوي

ما أن تحدث الرئيس المصري عن الحاجة لإطلاق “ثورة دينية”، حتى اندلع السجال في الأروقة السياسية والفكرية والدينية والأكاديمية المصرية حول مسألة “الإصلاح الديني” أو “الثورة الدينية”... المساجلون توزعوا بين مؤيدين من دون تحفظ، جرياً على عادة “كتاب البلاط وفقهاء السلاطين”، ومؤيدين توّاقين لفتح باب الاجتهاد والتحديث والعصرنة للخطاب الديني، كانوا بحاجة لغطاء ومظلة سياسيين ... ومعارضون متشددون فكرياً، استمرأوا احتكار الدين والمعرفة والتفسير والتأويل ... ومعارضون على خلفية التنازع السياسي مع النظام القائم.
موضوعات السجال توزعت على جملة عناوين ومحاور منها: ما المطلوب إصلاحه، وما المدى الذي يمكن أن تصل إليه عمليات المراجعة والتحديث، هل يتعين الاكتفاء بإسقاط بعض القراءات والتفسيرات الفقهية الشاذة، أم أن المطلوب الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى تطويع “المقدس” لمواكبة العصر وقوانينه واحتياجاته، بدءا بـ “نظام الحكم في الإسلام” وليس انتهاء بآيات القتال؟
لم يقف السجال عند هذا الحد، بل تطرق أيضاً إلى ماهية الجهات المؤهلة للقيام بهذه “الثورة”، هل هي “الأزهر” و”دار الإفتاء” ووزارة الأوقاف، أم أن المراجعات الحقيقية يجب أن تنطلق من مؤسسات مستقلة ومفكرين من خارج “دائرة السلطة” باعتبار أن اقتراب هذه المؤسسات من “السلطة” وانخراطها في “تأييد” و”مبايعة” الأنظمة المتعاقبة، قد أفقدها الكثير من صدقيتها، وجرّدها من كثير من نفوذها .... هل تستوجب “الثورة الدينية” ثورة داخل المؤسسات المعنية بإنتاج الخطاب الديني وتدريسه وتعميمه؟
حقيقة أن السجال حول هذه العناوين، قد انطلق في إعقاب “دعوة رئاسية”، تظهر من دون شك، مدى تبعية هذه المؤسسات للسلطة السياسية، بل و”انضباط” النخبة السياسية والفكرية لإيقاعات الحكم والحاكم، وبما يثير قدراً كبيراً من الشك حول الحدود التي يمكن أن تصل إليها “المراجعات المطلوبة”، والأولويات التي ستُعطى لعملية المراجعة والتصويب، مثلما يدعو لتوخي الحذر والتحفظ، والإحجام عن “رفع سقف التوقعات”، فما بدأ بقرار جمهوري، قد ينتهي بقرار مماثل، ويجعل من “عاصفة” الأفعال وردود الأفعال مجرد “زوبعة في فنجان” أو بالأكثر “ثرثرة فوق النيل”.
هذه التحفظات والمحاذير، على وجاهتها، لا ينبغي أن تقلل من شأن الجدل الدائر في الأروقة الفكرية والدينية المصرية، والذي سيمتد حكماً، وكما هو “دأب التاريخ”، إلى بقية الحواضر العربية والإسلامية، وإن لم أكن مخطئاً، فأحسب أنها المرة منذ أزيد من مائة عام، التي تُطرح فيها قضايا الإصلاح الديني على أجندة الحوار الوطني العام، لكأننا من جديد، أمام احتمال طال انتظاره، لاستئناف “النهضة والتنوير”، تلك العملية التي انقطعت بفعل السياسات الكولونيالية ابتداء، وتفشي حكم الجنرالات والانقلابات العسكرية في خمسينيات القرن الفائت وستينياته، لتتوج حالة التراجع والتردي في المنطقة، بخروج “إسلام البداوة” من قمقمه  ليصبح لاعباً مهيمناً في المدن والحواضر (والجاليات) العربية والمسلمة منذ سبعينيات القرن الفائت وحتى اليوم.
قد يقال إن مثل هذا “التقدير” إنما يصدر عن نظرة “رغائبية” وليس عن قراءة دقيقة للمشهد المصري، فالإصلاح الديني لا يمكن أن يأتي من خارج سياقات الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي و”لبرلة” الحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطنين، ومصر اليوم، ليست منخرطة في سياقات مشابهة، وهذا صحيح تماماً، بيد أن الصحيح كذلك، أن مصر ما زالت في مرحلة انتقال صعبة، وأن محاولات “مصادرة” و”تجيير” ثورتين شعبيتين، ما زالت تواجه بمقاومة مدنية وشعبية لا تهدأ، وأن كسر “التابوهات” التي تغلف الخطاب الديني الرائج والسائد، سيحدث أثراً فاعلاً في استنهاض قوى الإصلاح المدنية والديمقراطية والعلمانية، بعد أن خرجت أو كادت أن تخرج، من حسابات القوى وموازينها.
ثم، أن قيمة هذا الجدال الدائر، إن استمر وبدأ في إعطاء أكله، إنما تتمثل كذلك، في انتقاله إلى خارج الحدود المصرية، والتقائه مع مدارس دينية وسياسية إصلاحية في تونس والمغرب، قطعت أشواط أبعد على هذا الطريق، لكنها تعاني من إشكالية انحسارها في “الفضاء المحلي”، وعدم قدرتها على بث إشعاعاتها إلى مختلف العواصم العربية، وهي الميزة التي تتوفر لمصر أكثر من غيرها من دول المنطقة، إن لم نقل لمصر وحدها.
ما يجري على ضفاف النيل من جدل و”ثرثرة” وحوارات في العمق، أمر يستحق المتابعة والتأمل، فهو يتخطى السجال المعروف حول “من المسؤول عن ماذا”، وحوارات “السياسة اليومية” أو “الجارية” إلى أعماق فكرية وفقهية، قد تؤسس لنهاية حقبة “بَدوَنة الإسلام” إلى تحديثه وعصرنته، وهذا أمر سيكون له ما بعده، إن قُدّر لهذه العملية أن تصل إلى خواتيمها المرجوّة.

omantoday

GMT 18:35 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

كيف ستكون علاقتنا مع ترمب؟

GMT 18:34 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

في ذكرى صاحب المزرعة

GMT 18:34 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

بين التسلط بالامتداد أو التسلط والانفراد

GMT 18:33 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

مناخر الفضول وحصائد «فيسبوك»

GMT 18:32 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ترمب والداء الأوروبي الغربي

GMT 18:31 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لبنان... امتحان التشكيل

GMT 18:30 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

القراءة والكتابة أولاً

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من مجرد «ثرثرة فوق النيل» أبعد من مجرد «ثرثرة فوق النيل»



إطلالات ياسمين صبري وأسرار أناقتها التي تُلهم النساء في الوطن العربي

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:08 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

تطوير أدوية مضادة للفيروسات باستخدام مستخلصات من الفطر

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab