تفاهمات ذات مغزى

تفاهمات ذات مغزى

تفاهمات ذات مغزى

 عمان اليوم -

تفاهمات ذات مغزى

عريب الرنتاوي

وضع التحالف العربي “التهدئة” على الحدود اليمنية – السعودية، في إطار إنساني، يتصل بتمرير المساعدات للمناطق المنكوبة، ونسب الفضل فيها إلى وجهاء المناطق والقبائل، ونظر إلى “صفقة تبادل الأسرى” بوصفها استرداداً لضابط سعودي مقابل إطلاق سراح يمنيين كانوا في مناطق القتال ... هكذا تبدو الرواية السعودية، كما عبرت عنها تقارير وكالات الأنباء من الرياض.
لا حديث من قريب أو من بعيد، عن وفد حوثي برئاسة محمد عبد السلام إلى المملكة، ولقاءات في مدينة “أبها” مع مسؤولين سعوديين ... لا حديث عن مشاورات سرية استمرت لأكثر من أسبوعين، انتهت بقرار “التهدئة” على الحدود بين البلدين ... ولا حديث عن وساطة طرف ثالث، المؤكد أنه عُماني، عمل على إنجاز الاتفاق ... الرواية تشدد على الطابع المحلي المحدود للاتفاق، ومضمونه الإنساني المتخفف من السياسة، مع تذكير متكرر بأنه جاء بناء على طلب “الفريق الآخر”، فيما قوات التحالف تقترب من أبواب صنعاء.
ليس من الحكمة إعطاء الاتفاق حجماً أو معنى أكبر مما يجسده ... فليس ثمة ما يشير إلى أن الاتفاق يشمل جبهات أخرى، بدلالة استمرار المعارك والغارات والقصف الصاروخي في تعز ومأرب وصنعاء ... وليس ثمة ما يشير إلى أنه تخطى الجوانب الأمنية من نوع تهدئة الجبهة الحدودية، وتبادل محدود للأسرى بين الطرفين، وبصورة قد تسمح (وقد لا تسمح) بتعبيد الطريق أمام تسوية سياسية للأزمة اليمنية التي ستدخل عامها الثاني بعد أسبوعين تقريباً.
لكن المؤكد أن الاتفاق، بصرف النظر عن توصيفه وتصنيفه، هو تطور غير مسبوق، في الشكل والمضمون، منذ اندلاع الأزمة اليمنية، فهو ثمرة وساطة عُمانية أولاً، وهو نتيجة مفاوضات مباشرة سعودية – حوثية ثانياً ... قبل ذلك، كانت مشاعر الاستياء تسيطر على المملكة ودول التحالف من سياسة “النأي بالنفس” التي اتبعتها عُمان، وكان الحديث عن حوار مباشر بين المملكة والحوثين، مرفوضاً بالمطلق من جانب الرياض، التي شددت على الدوام، بضرورة التحاور مع “القيادة الشرعية” ممثلة بعبد ربه منصور وجماعته.
وسائط الاتصال القريبة من الحوثيين والصديقة لهم، خففت بدورها من أهمية ما حدث، خشية على ما يبدو، من ردود أفعال غاضبة من قبل حلفائهم، الذين تتوقع مصادر عدة، أنهم ليسوا في صورة المفاوضات والوساطات السرية والتفاهمات ... وسعت في تصوير الأمر، على أنه انتصار للحوثيين، تقابله “شبه هزيمة” لخصومهم .
لكن على الرغم من “الطابع الانتصاري” الذي قُدّمت به هذه التفاهمات من قبل طرفيها، وعلى الرغم من محاولات كل فريق، وضع الفريق الآخر، في موضع “اللاهث” وراء أمرٍ كهذا ... إلا أن الحقيقة التي لا تخطئها العين المُدَقِقَة، هي أن كلا الفريقين، قد تعرض لما يكفي من الإنهاك والضغوط للخروج من أتون هذه الحرب العبثية ... السعودية التي وعدت بإنجاز المهمة في غضون بضعة أسابيع، تجد نفسها أمام حرب مفتوحة، على الانفاق الهائل والانتقادات والاتهامات الدولية، من دون أي تقدم جدي على الأرض، خصوصاً بعد أن تحوّلت محافظات الجنوبية إلى “جيوب  آمنة” للقاعدة و”داعش”.
والحوثيون على الرغم من صلابتهم القتالية المشهودة، وصمودهم  في وجه تحالف مدجج بأحدث ما انتجته الترسانات الدولية من أسلحة حديثة، يواجهون “قضماً متدرجاً” لمناطق سيطرتهم، ويتعرضون وبيئتهم الاجتماعية الحاضنة، لأشد المعاناة جراء القصف التدميري والحصار المحكم ... وهم وإن كانوا واثقين من قدرتهم على القتال لفترات طويلة قادمة، إلا أن حلمهم ببسط نفوذ مهمين على كل اليمن، قد وصل محطته الأخيرة.
من دون مبالغة في تقدير أهمية الاتفاق حول “التهدئة الحدودية”، أو حتى الإفراط في التفاؤل بقدرته على الصمود والاستمرار، إلا أن صمت المدافع على هذه الجبهات، ولأيام عديدة، يعطي الانطباع بأن فرص التوصل إلى حل سياسي تفاوضي للأزمة اليمنية، تتحسن باستمرار، على الرغم من الأداء البطيء والمتهالك والمتحيّز للموفد الأممي ... والاتفاق إذ يكرس شرعية الحوثيين من جهة،كطرف يمني رئيس، وليس كجماعة إرهابية عملية لإيران، يوفر للسعودية من جهة أخرى، سلماً للهبوط الآمن من على قمة الشجرة اليمنية، ويبقى أن ننتظر لبعض الوقت، لمعرفة كيف ستكون ردات أفعال حلفاء الفريقين من يمنيين وغيرهم، حتى يصبح بالإمكان الجزم بمدى قدرة هذا الاتفاق على البقاء والاستمرار، والأهم، قدرته على تمهيد الطريق أمام قطار الديبلوماسية وسكة جنيف، من جديد.

 

omantoday

GMT 10:14 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 10:13 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 10:12 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 10:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 10:09 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

GMT 10:08 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تسييس الجوع والغذاء

GMT 10:07 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

إيران: مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة

GMT 10:05 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان بين إعادتين: تعويم أو تركيب السلطة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفاهمات ذات مغزى تفاهمات ذات مغزى



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab