البرادعي ومشروع النهضة

البرادعي ومشروع النهضة

البرادعي ومشروع النهضة

 عمان اليوم -

البرادعي ومشروع النهضة

جمال خاشقجي

لا نزال مشغولين بتعقّب مرابض مدفعية الحوثيين حول تعز في اليمن التي لم تحرر بعد، ولا نزال نراجع الأفكار الروسية التي ستناقش في الجولة الثانية من مؤتمر فيينا المخصّص للأزمة السورية، ونضع اللمسات الأخيرة على ردّنا عليها. لا نزال بعيدين من حسم معركتي سورية واليمن، ناهيك عن غيرهما، لكننا في الاتجاه الصحيح، فهل الوقت مناسب للحديث عن مشروع ينهض بكل العرب الذين سيخرجون إلى عالم مختلف عن ذاك الذي سبق العام 2011، عندما تضع الحروب والفتن أوزارها؟

«بالطبع لا بد من أن نفعل ذلك»، قالها بحزم الدكتور محمد البرادعي، السياسي المصري الذي يتمنى لو يترك السياسة أو تتركه، بعد الإحباط الشديد الذي أصابه وهو يحاول أن يخرج بلده إلى عالم أفضل، فانتهى به الأمر متهماً وملاماً من الجميع، تلاحقه صور الدم وألم الإخلال بالوعود. ينظر الآن إلى كامل الصورة، إلى العالم العربي المتعثر، فالتعثر المصري صورة للتعثر هناك. كنا نسير إلى مطعمه المفضل مساء الثلثاء الماضي، في شوارع فيينا التي يحبها وأصبحت عالمه الذي يداوي فيه جراحه.

قال وهو ينظر إلى زوجته عايدة وهي تصلح شال الصوف حول رقبته ليقيه من بدايات برد الخريف: «لدي كل شيء أحتاجه، لكنني أعلم أن ملايين من العرب وأبناء وطني بات حلمهم أن يأتوا الى أوروبا، ولو لاجئين، ليس هذا اختياراً عادلاً». روى تجربته في «خلوة غوغل» التي حضرها قبل أسابيع، وتضم نخباً وعلماء وقادة الاقتصاد وسياسيي العالم الحديث: «تخيّلت العالم العربي كله وكأنه خزان وقود أسفل الصاروخ، بعدما ينتهي دوره ينفصل عنه فيتهاوى ساقطاً، بينما الصاروخ يشق غمار الفضاء صاعداً أعلى فأعلى، فيما يستمر خزان الوقود في السقوط أكثر فأكثر. نحن خزان الوقود، والصاروخ هو بقية العالم المتحضر المتمتع بالتقنية والحداثة»، قالها بحزن وهو يرسم بيده الصاروخ وخزان الوقود الساقط.

يبحث البرادعي الفائز بجائزة نوبل، عمن يقود مشروعاً لنهضة العالم العربي. يعتقد أن على السعودية قيادة تحرك كهذا، فهي مستقرة. لم يفقد الأمل بمصر. مشغول بها ويخشى عليها ويتمنى اهتماماً أكبر بها حتى لا تنزلق أكثر. لعل توقيع اتفاق مجلس للتنسيق بين المملكة ومصر الأربعاء الماضي، خبر سار له، لكنه مجرد تنسيق عسكري واستثماري، بينما يريد ثلاثة أمور يرى أن النهضة لن تكتمل من دونها: مشروع لإصلاح التعليم، وآخر للرعاية الصحية، وثالث لنشر التسامح بقوة النظام. بهذه الثلاثة نهضت اليابان والصين وسنغافورة.

قلت له إنني لا أتوقع أن تنتقل المملكة الآن إلى مشروع النهضة، ولما تكتمل مرحلتي السياسة والحرب ومن ثم البناء، فالهدف السعودي معقد، وهو تشكيل تحالف يتفق معها في إخراج إيران من عالمنا العربي، وكفّها عن التدخلات السلبية سلماً أو حرباً، ثم وقف حال الانهيار السائدة، ومواجهة التطرف ممثلاً في «داعش» وأي تنظيمات ترفض سيادة القانون وحكم الغالبية، وأخيراً إعادة بناء الدول المنهارة، وهذا سيستغرق سنوات.

ثم ماذا، يسأل الدكتور البرادعي. هل نعود إلى تلك الأوضاع التي سادت عالمنا قبيل انفجار الربيع العربي: تردي التعليم والرعاية الصحية والبحث العلمي والتخلف عن كل العالم؟ سؤال جيد. ولا بد من أن نقتنع بأن ذلك العالم الذي سبق الربيع العربي كان عالماً سيئاً لا يستحق أن نحافظ عليه أو نسعى إلى العودة إليه.

خلال الحرب العالمية الثانية، وحينما كانت رحى الحرب دائرة في كل أوروبا، أوكل إلى جملة من الباحثين الأميركيين ومن استقر في الولايات المتحدة من العلماء الأوروبيين، وضع خطط اقتصادية وسياسية للخروج بأوروبا إلى عالم أفضل. هل نستطيع أن نفعل مثلهم؟ ليس هذا هو السؤال الصحيح، ذلك أننا لا نملك الاختيار، بل لا بد من أن نفعل مثلهم حتى لا نعود إلى الزمن والظروف التي أفرزت انهيار 2011.

كان حرياً بالعالم العربي أن يتنبه إلى الخطر الداهم يوم صدر أول تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في العام 2000، الذي لفت الانتباه إلى بؤس حال العرب. جرت بعد ذلك محاولات عدة للإصلاح، للمرة الأولى تعقد قمة اقتصادية عربية، قُدم مشروع لإصلاح الجامعة العربية. دعا الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، إلى قمة إسلامية للعلوم. واهتمت دول وشخصيات بمشاريع نهضوية عدة.

استقدم القطريون أفضل جامعات العالم إلى دوحتهم. نحن في السعودية، أسسنا جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. كما خصص الملك عبدالله جائزة للترجمة. كلها أفكار عظيمة، لكن قتلتها سياسات عربية.

لا فكاك من السياسة والتوصّل إلى صيغة للحكم الراشد، لكن حتى ذلك الحين، ليتنا نستمع إلى الدكتور البرادعي. نجمع علماء العرب في الاقتصاد والتنمية والتقنية المعنيين بسؤال النهضة في مكان ما. نوفر لهم كل ما يحتاجون من إمكانات، وهي أقل من كلفة سرب طائرات (لا شك في أننا نحتاجه في معركتنا المصيرية الجارية) لوضع خطة للنهوض بالعالم العربي الجديد، خصوصاً في مشرقه البائس الممتد حتى ليبيا. ذلك المشرق الذي تشكل بعد 1918، إثر انهيار الدولة العثمانية بقيادة نخب مدنية، سعت إلى نهضة عربية تجدد أمجاداً خلت، لكن ما لبث أن حصل أول شرخ في أحلامها ومشاريعها لحظة إعلان أول عسكري بيانه الأول، فانتهى حاكماً مسيطراً على علماء ومفكرين واقتصاديين. وبعد نصف قرن من الفشل والأخطاء والهزائم، انهارت جمهوريات العسكر في 2011.

لا أتوقع أن يستطيع الدكتور البرادعي الابتعاد من السياسة، لكن حتى ذلك الحين لنستمع إليه كعالم، وليس كسياسي، يتألم لما يجري في وطنه الكبير.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البرادعي ومشروع النهضة البرادعي ومشروع النهضة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab