في وداع غزة

في وداع "غزة"

في وداع "غزة"

 عمان اليوم -

في وداع غزة

بقلم : العقيد د. حسين أبو زيد

بعد فتـــرة مرت بنا من العمل في غزة ، صاحبتها ورافقتها الأحاسيس والحنيــــــن والشعور 
  بالراحة النفسية والتي لازمتني طيلة فترة مكوثي في فلسطين / غزة ... غزة الرجال ، غزة 
 العراقــــــــــــــة ، أودعك ورفـــاقي ياغـــــزة ...
  أودعك كأردني حتى النخاع ، سكنتي جوف نخاعــه وأحاسيسه ومشاعره وكل كيانـــه .
  لم أكن أتوقع حقيقـــة" ، أن أهل هذه المدينــــة الحزينــــة والمليئــة بالرجولة والصمود ، تكون 
 بهذا الحجم من القوة ، والإرادة ، والكبرياء !.
 
  هذا الشعب الشامخ والذي عانى الأمرين ، والذي يعمل بجد وإجتهاد ،أن يكون بهذا الحجم من 
  الثقة بالنفس ، والإصرار ، والكرم والجود وحسن الضيافــــة ، والإيمان بقضيتــــه وعدالتـــها ،
  وثقتــهم بأن الله سيغير الحال إلى أفضل ، وسيغير العقاب والحصار إلى نصر وزغاريـــــد ، 
  وسيكون يوما" جدارهم الذي وضعوه حول إخوتنـــا في فلسطين هو جدار لحديقة حيوانــــــات 
  شرسة ، كانوا هم يقطنــــــــون داخلـــه .
  
  قلمــا دخلت بيتا ، لم أشاهد فيه أما" تبكي طفلها ، أو إبنها العريس ، أو بنتها ، أو زوجها ...
  أو ان أشاهد شابا" في ريعان وجمال الشباب بلا ساق ، أو عين ، أو ساعد ...
  لم أشاهد حارة" ، ولا مسجدا" ، ولا مدرسة" إلا وقصفت صواريخ العدو جدرانها ومآذنها وساحاتها ... 
  لا غزة ... لا يوجد مثلك بالكون ...
 
  تطفئ أنوار غـــزة ، لساعات طويلة ، ويبقى أطفالها ونسائها بلا أقـل أساسيات الحيــاة ، فتنيــر
  لهم قناعاتهم ، وثقتهم بربهم ، وفقط بربهـــم أنه معهم ولن ينساهم ، وسيكون معهم لامحال ، 
 حتى ولو تأخر القطار ، ويجدولون حياتهم بأساليب وطرق صعبة ، لا يقدر عليها سوى الأبطال . 
 وفي المقابل ، ووسط كل هذا الالم والحرمان ، لم أشاهد شعبا" حقيقــة" عنـــده روح الفكاهـــة ، 
  والمرح ، والنكتـــة مثلهم ، فتخرج البسمة من شفاه رجالها ونسائها وأطفالهـــا وسط دموع 
  وحسرات والام عاشوها زمن طويل ، وتحت نظر القريب قبل البعيـــد ، دون جدوى ودون حتى
  محاولة حراك ، وهذا ما يؤلمهم ، فأهل غزة ليسوا كبقيــة البشر، هم لا يجوعون ، لا يعطشون ، 
  وتكسرت كل أمالهم بمن يحيط بهم ، إلا بفرج من الله عزة وجل ، وأمل من أخٍ يجــــــاورهم ، 
  يبعد عنهم مرمى العصى ، عسى أن يفتح لهم نافــــــذة" فتحها ووضعها رب العبـــــاد ، قبل أن 
  يغلقها جيرانهم بوجوهم ، ولهم أيضا" نقول : ان غزة لن تموت ، غزة لن تغرق في البحر ، 
  كما تمناها وزير من أعداءهم ، غزة ستبقى ، وسيتحطم أمام سواعد رجالها هامات كل من عادى 
  غزة .
  
  فسكان غزة ، أراهم وكأنهم يرون أمام أعينهم شيئا" لا يراه الكون بأسره ، لا قريب ولا بعيـــد 
  ... يرون نصرا" قادم ، وفتحــــا" قريب ، وزلزالا" يحرق الظلم والظالمين بإذن الله تعالى .
 لا غزة ... فأني لم أشاهد في بلد رجالا" كما تملكين ... فرجال غزة رجال يحق لنسائهم أن 
 تفاخر بهم الدنيـــا ، ونسائها نساء ، وجب أن يخجل الكثير من أشباه الرجال النظر في أعينهن ،
  لما قدمن من تضحيات على أرض فلسطين ، عجزت عنها شعوب ودول .
  غـــزة الغاليـــــــــــة ...
 
  فحال دخولي إلى أرضك ، ومنذ أن وطأت قدمي ترابك شعرت بكبرياء عظيم ، وفخر لن يشعر 
  به من لم يدخل غزة ، وعرفت ياغـزة ،أننـــا مهما قدمنــــا لك سنبقى نشعر بالتقصيــر أمام 
  صمودك ، شعرت يا غزة بمحبـــة أهلك الحقيقي لنـــا نحن كشعب أردني ، ومحبتهم وشكرهم 
  للقيـــادة الهاشمية لما تقدمه لهم ولأبنائهم ، كنت أرى النساء ترفع أكفها إلى السماء تدعـــــو 
 لشعب الأردن وملك الأردن حفظه الله ورعاه بكل الخيـــر ، ولا أتردد أن أقول أنني شعرت 
  أيضا" بشوقـك لبقيــة الأخوة العرب أن يزوروكي ، كي ترفعي لهم هاماتهم عاليـــا " ، وكي 
 تخبريهم أنك لست بحاجـــة لشيء منهم ، أكثر من أن تتبــــاهي بهم أمام عدوهم ك عرب 
  أولا" ، لطالما تفاخر التاريخ بتأخيهـــم سابقا ... نعم ، هم بحاجـــة للعرب لكل العرب ، كي 
  يخبروهم ويؤكدوا لهم أن عدوهم ليس بهذه القوة التي رسموها في خيال شعوبهم ، كـــــــي 
  يؤكدوا لهم ، أن الحجر هزم المدفع ، وان ثقتهم بالله تسقط طائرات عدوهم ، وأن الحصار خلق 
  جيلا" من الأبطال تخر أمامهم الجبال ، وأن قنابلهم هي ألعاب في أيــــــادي أطفالك يا غزة .... 
  وأن الهزيمة هي كل ما يملكون أعدائهم في أخر المطاف ، وهم على يقين من ذلك أكثــر من 
  كثير من أخوتهم العرب وللأسف .
  
  غاليتي غــــــــــــزة ...
  أم الخيرات ، والمزارع والمحررات ، ساحات النخيل ، والفاكهة ، والحمضيات والتي يستطيع 
 أي عربي في كل أرجاء الوطن العربي أن يشتم رائحتــــها الزكيـــة وحتى من بعيـــد ، فقط لو
 رفع أنفــــه قليلا " .
 
  غزة ...
 لكل أهلك سلام وتحيـــة ، قـدر تلك المحبـــة التي شعرنا بها نحن الأردنيين على أرضك ، قدر
 تلك المحبــــة والدعاء التي كنت أسمعها من رجال ونساء غزة لجلالــة الملك لمواقفه 
  ومساندتـــه لأهل فلسطين عامــــه ، ولسكان غزة خاصـــة ، فقد حفرت الأردن نفقــــــــــــا" 
  فوق الأرض وأمام عيون الدنيـــا ، وأرسلت أبنائها منـــذ سنين طويلة ليقدمـــوا المساعدة 
  والعون لأهل غزة هاشم ، غزة الشرفاء ، كي نخبـــر الدنيـــا ، كل الدنيـــا ، أننا مع قضايانـــا 
 العربيــة عملا" وفعلا" ، لا قولا" .
 
  فالأردن صغيـــر الحجم نعم ، ولكن أفعالــه لا يستطيع أحد أن يضاهيها ، حيث بقي ومنـــذ 
 سنين طويلة جنبــك ، والمستشفى الأردني على أرضك ، والعاملين به ، والذين عاشوا معكي 
 ضائقتـــك ، شاهدوا بأم أعينهم ومنـــذ بدء حصارك ، أحبوكي كما تحبيــــــهم .... فقد قصف 
  مستشفاهم معك مثلك يا غزة ، وكان من بينهـم مصابين وجرحى مثلكي يا غــزة ، وعانوا 
  مثلك ... وأصروا على البقاء معك وجنبك ، متمنيــن من إخوانهم العرب أن لا ينسوا غزة 
  ، ولا أهل غزة ، ولا شهداء غزة ، ولا نساء غزة ، ولا أطفـــــــــــــــــــــــــــــال غزة ...
  وفي الوداع .... أطلب من الله العزيز ... أن يحفظ غزة ، وأهلها ، ليس من أجلهم فقط ، بل
  من اجل أن تكون غــزة مدرسة" ، يسجل في صفوفهـــــا الإبتدائيــــة ألكثيــــر من الرجال 
  الكبار من وطننــــا العربــــــــــي .
 
 حفظ الله فلسطين ... كل فلسطين ، وفـك غزة وأهلهــــــــــا من هذا الحصار الجـــائر ، والذي لا 
  يرضى عنـــــــه إنسان حمل معنى الإنسانيـــــــــــة في ضميره يوما من الأيـــام .
  نودعـــك ... وفي العين دمعـــة فرح وأمــــل ، بأن الله لن ينساكي ، ولو تناسيناكي نحن ... وأن 
 أشراف هذه الأمـــة يجب أن يقولوا كلمتهـــــــــم لو بعد حيـــن .
  
  فسلام على أهلك ... غزة هاشم .
 

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وداع غزة في وداع غزة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab