مشاري الذايدي
وصلاً لما انفصل من الحديث في المقالة الأخيرة هنا، عن رد خالد المالك رئيس تحرير جريدة «الجزيرة» السعودية رئيس هيئة الصحافيين السعوديين على كلام عبد العزيز خوجة وزير الإعلام السعودي سابقاً الدبلوماسي المعروف، نكمل اليوم.
الصحافي السعودي المخضرم أقام ردَّه على الوزير خوجة على أفكار رئيسة، وهي: السوشيال ميديا، ومواقع الصحف الإلكترونية المستحدثة، لن تغني عن المؤسسات و«الكيانات» الصحافية القائمة. كما أنه ليس صحيحاً -والكلام لخالد المالك- أن الصحف الورقية الشهيرة قد أغلقت هذا الخط الإنتاجي الورقي. وفي الأخير، فإنَّ وسيلة الصحافة -الورق في حالتنا هنا- ليست هي المهمة؛ المهم هو المحتوى الصحافي الحقيقي.
غير أنَّ أهم نقطة أثارها المالك هي أنَّه ثمة مؤسسات صحافية حظيت بدعم حكومي، خاصة في أزمة كورونا، أسوة بغيرها من مؤسسات القطاع الخاص، وجلب أمثلة من كندا وغيرها من الدول.
المثير أنَّ الوزير خوجة، حين كان على قيادة وزارة الإعلام، قال -كما نشر بصحيفة «الاقتصادية» السعودية في 3 فبراير (شباط) 2010 بندوة عقدتها جامعة الملك سعود للعلوم الصحية التابعة للحرس الوطني- إنَّ صحافة الأفراد (المنتديات والمواقع الشخصية على الإنترنت وقتها) تفتقد الموثوقية والتحقق، مشيراً إلى أنَّ هذا مبدأ مرفوض في أي مهنة كانت. والندوة كانت بعنوان «الطب والإعلام»، وقد شارك فيها خالد المالك شخصياً!
المهم في تقديري في هذا النقاش كله هو الإجابة عن الأسئلة الأساسية: ما الصحافة؟ من هو الصحافي؟
كل مؤسسة صحافية (جريدة، تلفزيون، راديو) لها منصاتها على السوشيال ميديا، وكل صحافي -أو أغلبهم على الأقل- له صفحات نشطة على «تويتر» أو «فيسبوك» أو قنوات بث «يوتيوب» أو «سناب شات» أو «إنستغرام»، بل إنَّ بعض الصحافيين قرر ترك مؤسسته، والعمل على بناء «علامته» الشخصية!
لكن، على سبيل المثال، حين نرى علماً من أعلام الصحافة بشكلها الكلاسيكي، وهو المذيع الأميركي الأشهر لاري كينغ الذي رحل وهو شيخ كبير 87 عاماً عن عالمنا مؤخراً، ندرك جانباً من طبيعة الخلل القائم في الإعلام اليوم.
كينغ أجرى، على مدى 60 عاماً، ما يقدر بنحو 50 ألف مقابلة تلفزيونية... ولك أن تتخيل الجهد «الصحافي» المبذول في عمليات التحضير والبحث والمطالعة والاتصالات الهاتفية، وربما تكاليف السفر والضيافة، على هذه الـ50 ألف مقابلة، لتصل إلى المتلقي النهائي عبارة عن ساعة تلفزيونية ممتعة مفيدة؟!
هل يفعل هذا حساب لصاحب اسم مستعار في «تويتر» أو «فيسبوك» أو صاحب جريدة إنترنتية جوفاء؟!
هناك برنامج سعودي طموح لمعالجة هذا الخلل، ونقل المؤسسات الصحافية إلى مرحلة جديدة، تحت عنوان «برنامج التحول الرقمي»، وقد بدأ تطبيقه على بعض المؤسسات الصحافية، وخلاصته تقديم دعم حكومي مشروط بتطبيق معايير معينة، في مقاربة تشبه الدعم الحكومي المقدم للأندية الرياضية السعودية، خاصة في كرة القدم حالياً.
ينجح، وهذا ما نأمله، أو لا ينجح هذا البرنامج... المهم في نهاية الأمر عدم تطبيع السطحية، وإعدام المهنية الصحافية، بحجة التغني بالديجيتال...!