فرنسا أنجزت التكليف بانتظار صفقات التأليف

فرنسا... أنجزت التكليف بانتظار صفقات التأليف

فرنسا... أنجزت التكليف بانتظار صفقات التأليف

 عمان اليوم -

فرنسا أنجزت التكليف بانتظار صفقات التأليف

بقلم : إياد أبو شقرا

انتهى مؤقتاً، على الأقل، مأزق تشكيل الحكومة الفرنسية المقبلة بعد إنجاز الخطوة الأولى، التي هي اختيار رئيس مكلّف بتشكيلها.

من حيث المبدأ، لا غُبار على اختيار السياسي والدبلوماسي المخضرم ميشال بارنييه، الذي برز في أروقة السياسة الفرنسية وسياسات الاتحاد الأوروبي، وكان من الشخصيات المحوَرية في المفاوضات مع بريطانيا على خروجها من الاتحاد.

الرجل ينتمي إلى تيار اليمين التقليدي. وهذا التيار – الذي يحمل اسم «الجمهوريون» اليوم – يشكّل اليوم رابع أكبر تكتل برلماني في فرنسا، بعدما كان صاحب النفوذ والحضور المميّز على امتداد عمر «الجمهورية الخامسة» التي أسسها الجنرال شارل ديغول على أنقاض الفوضى السياسية وهشاشة بعض القيادات الاشتراكية والوسطية في حقبة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وللعلم، كانت تلك الحقبة قد شهدت تساقط المستعمرات السابقة من معركة ديان بيان فو في الهند الصينية، ومروراً بحرب الاستقلال الجزائرية، وانتهاءً باستقلال باقي المستعمرات الفرنسية بغرب أفريقيا.

أساساً ديغول نفسه وضع اللبنات الأولى لذلك التيار، قبل أن تطرأ عليه تعديلات حملت بصمات أصحابها، ويبلور بعض قادته الطموحين «مدارسهم» الخاصة التي حملت أسماءهم من أمثال فاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي.

وحقاً، بعد نجاح ديغول باستخدام تيار اليمين التقليدي «الديغولي» في بناء «الجمهورية الخامسة»، عاد النقيض اليساري - التقليدي أيضاً - ليلتقط أنفاسه ويلملم صفوفه تحت قيادة شخصية فذّة أخرى هي فرنسوا ميتران. ولقد تحقق لميتران ذلك بدءاً من ترميم الحزب الاشتراكي، ولاحقاً تدرّج بالاستفادة من التحالف مع الشيوعيين... ثم ترويضهم فاحتوائهم، ووصولاً إلى تهميشهم، الذي اكتمل تقريباً مع انهيار «جدار برلين» ومعه حلف وارسو والشيوعية الأوروبية في ظل الاتحاد السوفياتي السابق.

خارج إطار هاتين «الخيمتين» التقليديتين «الديغولية» و«الميترانية» كانت دائماً ثمة قوىً ثانوية – من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار – تقوى وتضعف حسب الظروف ونوعية القيادات وأشكال التحديات والتحالفات. غير أنه لم يسبق في تاريخ «الجمهورية الخامسة» أن وجد تيارا اليمين التقليدي واليساري نفسيهما في المقاعد الخلفية.

لم يسبق أن تصوّرا الاكتفاء بلعب دور «الكومبارس» في مسرحية لا سُلطة لهم على منتجها ومخرجها و«كاتب السيناريو» فيها...

لكن هذه هي اليوم حال فرنسا منذ قلب إيمانويل ماكرون المعادلة، وانقلب على الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند، ليؤسّس حزباً جديداً على صورته، براغماتي التوجه، مُبهم الملامح، غامض المسلَّمات... وقليل الالتزام بالمبادئ المألوفة.

الواقع أنه في انتخابات عام 2017 لم يجد الناخبون في انقلاب ماكرون على الاشتراكيين «عقوقاً»، بل نتيجة طبيعية لطموح قياديّ شاب ذكي شاهد بأم العين انهيار شعبية الرئيس هولاند (بلغت 4 في المائة فقط قرب نهاية خريف 2016). وبالتالي، منحوا ثقتهم في الانتخابات العامة التالية لحزب ماكرون الوليد «الانبعاث» (الذي هو راهناً جزء من تحالف «معاً»)، على الرغم من طراوة عوده وقلة خبرة قياداته و«رمادية» شعاراته.

وحتى في انتخابات عام 2022 الرئاسية، جدّد الناخبون لماكرون، مع أن التصويت له كان هذه المرة لقطع الطريق على انتخاب مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف... أكثر ممّا كان اقتناعاً بأنه يملك الحلول السحرية لمشاكل «بلد الـ258 نوعاً من الجبنة»، كما يُقال، للدلالة على صعوبة إرضاء الفرنسيين.

ثم جاءت حصيلة الانتخابات العامة هذا العام لا لتبرهن فقط على أن حزب ماكرون عاجز بقواه الذاتية عن الحكم، بل لتؤكد أيضاً أن أزمة الحكم جدّية. إذ تتقاسم الحضور السياسي والبرلماني في فرنسا اليوم أربع قوى، القواسم المشتركة بينها قليلة، إلا إذا وفق ماكرون بحكم قوة موقع رئاسة الجمهورية في النظام الرئاسي المعمول به في خلخلة بعض الكتل الأربع واللعب على تناقضاتها.

أكبر القوى الأربع تمثيلاً «الجبهة الشعبية الجديدة» (182 مقعداً) ممثلة تحالف معظم تنظيمات اليسار، يليها تحالف «معاً» (168 مقعداً) الرئاسي التابع لماكرون، ثم «التجمع الوطني» (143 مقعداً) ممثل أقصى اليمين المتطرف، وبعده بفارق كبير اليمين «الجمهوري» التقليدي. وخلال الأسابيع القليلة الماضية كان السؤال المطروح بإلحاح هو حول أولويات ماكرون، وأي القوى سيسعى إلى الاستفراد بها، أو عزلها وإثارة الحساسيات والتناقضات داخلها.

ليس سراً أن ماكرون ما كان في الأساس مرتاحاً لتصدّر اليسار الأحجام التمثيلية في البرلمان، بل كان يراهن على تشتيت تنظيماته. غير أنه، في المقابل، يدرك جيداً مخاطر الرهان المباشر على صفقة يعقدها تحالفه مع اليمين المتطرف.

وبناءً عليه ارتأى ماكرون أن السبيل الأفضل والأسلم هو الاستعانة بشخصية معروفة وموثوقة من الكتل الأصغر حجماً، تستطيع أولاً التفاهم معه، وثانياً تحظى بقبول اليمين المتطرف، وهذا، مع ترك الباب مُشرعاً أمام أي فصيل من اليسار تغريه فكرة المشاركة في حكومة ائتلافية... فيقرّر الانشقاق عنه.

ميشال بارنييه، الآتي من كنف اليمين «الجمهوري» التقليدي، يتمتع – كما رأى ماكرون – بالمزايا المطلوبة، فجاء التكليف قبل الخوض في معمعة التأليف.

هنا في صميم حسابات سيد «الإليزيه» عوامل الوقت وتبدّل الأولويات والطموحات الشخصية وحرية المناورة... ولِم لا، طالما أن القرار النهائي الحاسم سيظل عنده؟

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا أنجزت التكليف بانتظار صفقات التأليف فرنسا أنجزت التكليف بانتظار صفقات التأليف



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab