مستقبل سوريا تقرّره القراءة الصحيحة للأحداث

مستقبل سوريا تقرّره القراءة الصحيحة للأحداث

مستقبل سوريا تقرّره القراءة الصحيحة للأحداث

 عمان اليوم -

مستقبل سوريا تقرّره القراءة الصحيحة للأحداث

بقلم : إياد أبو شقرا

يظل المرء مُقصِّراً مهما حاول أن يفيَ التغييرَ الجذريَّ، الذي شهدته سوريا خلال الأسبوع المنقضي، حقَّه.

إنهاءُ حكمِ عائلة الأسد بعد أكثرَ من نصف قرنٍ من الزمن حدثٌ كبير، بل كبيرٌ جداً. وهو سيكون أبلغَ وأبقى في الذاكرة والضمائر، إذا ما نجح الحكمُ البديل في قهر التحديات، وتخييبِ ظنّ المتشائمين الذين استسهلوا القول بأنَّ شعوبَنا لا تستحقُّ الديمقراطية، وبالتالي، ليس أمامها سوى خيارين: تسلّط السلاح... أو تسلّط التزمّت الديني.

شخصياً، سواءً من منطلق رغبتي في التفاؤل أو من محبتي الغامرة لسوريا ومعرفتي بكثرة من عقلائها... أودُّ التفاؤلَ هذه المرة.

لقد كانَ الاختبار المأساويُّ الذي ضرب «انتفاضة» الشعب مع نهايات 2011 وعام 2012 درساً قاسياً، أستبعد أن ينساه أيُّ ناشطٍ في الشأن السوري مهما طال الزمن.

ولنتذكّر، هنا على عجالة، كيف كان المشهد...

في مارس (آذار) 2011 انتفض الشعب السوري في أجمل وأشجع انتفاضة من نوعها فيما عُرف بـ«الربيع العربي». ولقد انطلقتِ الشرارة الأولى من حوران في أقصى جنوب البلاد.

كانت انتفاضة شعبية تلقائية، شارك فيها السوريون والسوريات من مختلف الأعمار والأديان والمذاهب والأعراق، تطالب بالحرية والكرامة قبل أن يدفعَها القمع الدموي بالرغم منها نحو العنف.

بعدها أسهم انشقاق ضباط الجيش وعناصره، وكذلك وحشية رد فعل النظام في تصدّيه لهم وللمظاهرات السّلمية، في «عسكرة» لم يخترها المواطن... الذي لم يعتبر في يوم من الأيام أنَّه في خندق وجيشه في خندق مقابل.

الشَّعب السوري لم يسعَ مختاراً إلى صبغ انتفاضته بالفئوية، أو الثأر، أو التقسيم والانفصال.

إطلاقاً لم يسعَ إلى هذا. وهنا أتذكّر روايات جاءت لتدحض ما سوّقه النظام من تُهم «طائفية الانتفاضة»؛ نظراً لأن العديد من المظاهرات كانت تخرج من المساجد بعد صلاة الجمعة.

ولقد أبلغني صديق عزيز، ذات يوم، موضحاً أن كثرة من المسيحيين كانوا يتجمّعون أمام أبواب المساجد، بانتظار إخوتهم المسلمين للسير معهم، آملين في أن يتردد جلاوزة الأمن وعصاباتُ النظام المسلحةُ في إطلاق النار على مصلّين خارجين من مسجد.

إنَّ السوادَ الأعظمَ من تجمّعات «الانتفاضة» - أو «الثورة» - خلال الأشهر والسنوات الأولى ضمّ كلَّ أطياف الشعب السوري، قبل أن تتسلّلَ مصالح محلية وإقليمية ودولية... لتبث الشك، وتزرع الخوف، وتحاول الاحتكار عبر تشجّع على التطرّف والمزايدة فيه.

ولكن على الرغم من كل هذا لم يفقد معظم السوريين البوصلة.

على الرغم من محاولات عدد من الجهات «ركوب» الحراك، وإبعاد المنافسين، والاستئثار بغنائم ما كانت بعد قد توافرت، وظهور جماعات مشبوهة تسلب الشعارات وترتكب التجاوزات... استمرت الانتفاضة.

وعلى الرغم من تنامي القمع - بالتوازي مع تنامي الغضب أو حتى استباقاً له - لم يفقدِ السوريون البوصلة ولا الأمل في التغيير.

وأيضاً، على الرغم من الخذلان الدولي - بما فيه «خطوط باراك أوباما الحمراء» - فلا الغازات السامة، ولا البراميل المتفجرات، ولا غارات الطيران الحربي الروسي، ولا «المؤتمرات الإلهائية» التضليلية، تمكّنت من أن تفتَّ في عضد السوريين الصابرين والمؤمنين بأن الكرامة والحريات والحقوق كلٌّ لا يتجزّأ.

لقد راهن السوريون على «مرور الزمن»، وربحوا رهانهم ضد سلطة تعيش خارج الزمن، مستفيدة لعقود من «تقاطع» مصالح الخصوم والجيران. وحقاً، من أجل البقاء - بأي ثمن - استمرأت تقديم التنازلات لهم جميعاً، مقابل بخلها على شعبها بالحد الأدنى الذي يستحقه من حرية وحقوق.

ومن ثم، مع تبدّل أولويات المصالح الدولية، سقط العديد من نقاط «التقاطع»، فاهتزت السلطة الهشة المفتقرة إلى ثقة الشعب ومحبته، وما عاد العسكريون مستعدين للقتال دفاعاً عن بقاء سلطة ما عادت تعني لهم شيئاً.

ثم إنَّ ظروف المقاتلين الوافدين من خارج الحدود - وبالذات من لبنان - تغيّرت جذرياً خلال الأشهر القليلة الفائتة، بينما صعّدت الحرب الإسرائيلية ابتزازها الإقليمي بغية تحقيق أكبر قدر من المُنجزات قبل تسلم الإدارة الأميركية الجديدة في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وهكذا، أمام ذهول العالم تساقطت خلال أيام معدودات حواضر سوريا واحدة تلو الأخرى... وتحقّقت الغلبة إقليمياً لضلع أو اثنين من «المثلث» الإقليمي على حساب الضلع الثالث!

مع هذا، لا بد من إدراك حقائق أساسية، أبرزها:

أولاً، أن إسقاط نظام ما لا يضمن بالضرورة نجاح النظام البديل، ولا سيما أن جهات كثيرة كانت حتى الأمس القريب رافضة التعامل مع الجهة التي حققت التغيير.

ثانياً، أن سوريا تظلّ مطمعاً لعدد من القوى الإقليمية، تماماً كما تظل «قطعة شطرنج» مهمة على رقعة الصراع الدولي في المنطقة.

ثالثاً، في حقبة «سقوط الهويّات والحدود» وعصر «انزلاق القوميات إلى متاهات العنصرية»... لا يجوز ارتكاب أخطاء في الحسابات تقوم على سوء القراءة والتقدير.

رابعاً، اختلال العلاقات الدولية - بين القوى الكبرى - له تداعياته الأكيدة في منطقة الشرق الأوسط. وسوريا الآن تعيش حقبة تأسيسية هشَّة ستتأثر حتماً بهذا الاختلال، وستؤثِّر في كيانات الجوار... ما لم تبادر هذه الأخيرة إلى وعي المخاطر وحماية الكيان السوري، والتفاهم على استراتيجية صيانته والأطر المناسبة لـ«دولته»!

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبل سوريا تقرّره القراءة الصحيحة للأحداث مستقبل سوريا تقرّره القراءة الصحيحة للأحداث



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab