نموذج ماكينلي

نموذج ماكينلي

نموذج ماكينلي

 عمان اليوم -

نموذج ماكينلي

بقلم:سوسن الأبطح

لا مكان للنسبية عند الرئيس الأميركي الجديد. رجل يعيش في المطلق. معه لن يكون العالم كما قبله. الرئيس البطل، «السوبرمان» الذي ما إن يقسم اليمين، ويمس الأوراق بتوقيعه السحري، حتى تبدأ المعالم تتغير من حوله. وداعاً لبرامج التنوع والمثلية، هؤلاء سيُطردون من رحمة الإدارات، لا مكان لجنس ثالث، ذكر وأنثى وكفى. لن يعبأ أحد بعد اليوم بوساوس حماية المناخ، وتكاليفها الباهظة، وفلسفات منظمة الصحة العالمية وأوبئتها. البترول سيتدفق في أميركا، وتُحلّ أزمة الوقود، وتنخفض أسعار السلع والتنقلات. أما المهاجرون، المجرمون، فسيُمنعون من الدخول بفضل عشرات آلاف الجنود على الحدود. هكذا ينتهي كابوس المخدرات وعصاباتها التي تؤرق الأميركيين. توقيع آخر، وتنتهي حكاية تجنيس المولودين على أرضٍ أميركية، ويُجمَّد التوظيف الحكومي، وتنهال المساعدات الإغاثية على المحتاجين.

سهلة الحياة عند دونالد ترمب، يقدم نفسه إلى ناخبيه كمن يملك عصا سحرية لحل كل أزماتهم، و«فوراً». فما يريده الرئيس ينفَّذ في الحال. استعراضاته البهلوانية تروق لملايين المساكين من مواطنيه، الذين تعبوا من ارتفاع التكاليف وشحّ الأجور وقتامة المستقبل.

مع أن القرارات التي يوقِّعها قد تواجَه في المحاكم وتتعثر، والمبالغة في العنجهية تستثير عداوات. طريقته الاستفزازية تُعجب مؤيديه إلى حدّ الجنون وتُغضب مناوئيه وتؤجج خوفهم بما لا يسهِّل مهمته.

تحدٍّ وقلة لياقة، وانتقاد للإدارات السابقة، رغم وجود الرؤساء. ينعت إدارة جو بايدن في حضوره وأمام الحشود بأنها «الأسوأ التي مرَّت في التاريخ». يسخر من موظفين ورجال عدل وسياسيين. الحل بسيط: «سنرسلهم إلى البيت».

استخفاف مدوٍّ، يبدو لذيذاً للناقمين لكنه يعمّق الانقسامات، ويشرذم البلاد، ويفتح الباب على حربين متزامنتين، من أخطر ما يمكن أن تخوضه شعوب: حرب ثقافية داخلية، وحرب تجارية خارجية. كل منهما بؤرة لتوليد صراعات مُنهِكة.

مؤيدو ترمب كثر، لكنّ الشعبية تتآكل، مع العثرات، والمتضررون لن يخرسوا إلى الأبد. ترمب هاجم الجميع، وهذا يحفِّز على المواجهة. أوروبا تتنادى لفعل ما يلزم، وتعض أصابع الندم لأنها سلّمت أمنها وقرارات تجارتها ومفاتيح إدارتها لأميركا، بوصفها حليفة لا تلين.

رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو يستنهض الأوروبيين: «إذا لم نفعل شيئاً فإن ترمب سيسحقنا». كندا التي يريد أن يفرض على المستورد منها 25 في المائة من الضرائب هي الأخرى تستعرض قوتها، وما تملك من عناصر مجابهة للانتصار. المحتجون البنميون خرجوا إلى الشوارع ووصفوا الرئيس الأميركي الذي يهدد بالاستيلاء على قناتهم بالنازي، والمكسيك لن تستسلم، ولا الدنمارك ستُهدي جزيرتها غرينلاند الغنية بثرواتها لترمب.

«العصر الذهبي» الأميركي الذي وعد به ترمب، وهو يدغدغ الأحلام ويجلس خلفه عتاة التكنولوجيا الكبار ومليارديرات الصناعات الجديدة، مع التأثير النفسي للقوة الترويجية التي يمتلكها لنفسه، يمنحه دفعاً كبيراً في بداية عهده، ويليّن أمامه إرادات صلبة، تفضل المهادنة في المرحلة الحالية. أضف الرغبة العارمة للأميركيين في التغيير، والذهاب إلى شيء آخر، غير الفشل الذي عرفوه. كل هذا سيمنح الرئيس قوة غير مسبوقة.

المشهد طالع من القرن التاسع عشر. الرئيس النجم، القائد البطل، فارس يرقص بالسيف مع حبيبته، وجماهيره تصفق بلا هوادة، وتصرخ بحماسة... لقطات تليق بعصور خَلت، تذوب فيها الشعوب في القيادي الملهم، وهو يَعِدُها بـ«العظمة» و«القوة» و«الذهب» و«الريادة» و«تغيير العالم» واحتلال أراضٍ، وإخضاع دول، وتخويف أخرى. في الوقت نفسه، كانت حرائق كاليفورنيا لا تزال مشتعلة وهناك تحذيرات من تجددها. هناك من وصف جحيم لوس أنجليس بسدوم وعمورة، واستُعيدت أساطير الماضي والغضب الإلهي الذي يُنزله بالبشر. أمر يتلاقى في غيبيته مع ما سمعناه عن قدرات إلهية أحاطت بالرئيس ترمب والإرادة الربانية التي خلَّصته من الاغتيال كي يُنقذ أميركا ويجعلها عظيمة.

لكنَّ حرائق لوس أنجليس هي نتيجة جفاف، وقصور في الاستعدادات، وانتصار للفساد، واستخفاف بالبيئة. خراطيم مياه جافة، فيما زوجان مليارديران يستحوذان على نصف كميات المياه ويتركان الآخرين في الشحّ. مسابح مترفة ممتلئة بالماء على مدّ النظر وغيابها عن الصنابير. دونالد ترمب لا يرى غير المال والنفوذ والمزيد من الربح والإنفاق، وهو ذهاب إلى نوع آخر من التطرف.

استحضر ترمب في خطابه بعد التنصيب، بإعجاب كبير، الرئيس الأميركي ويليام ماكينلي الذي يرى في وصفته دواءً للعلل الأميركية الحالية. «جعل بلدنا غنياً للغاية بفضل التعريفات الجمركية، وتعزيز المواهب. كان رجل أعمال وأعطى تيدي روزفلت المال للكثير من الأشياء العظيمة التي قام بها، بما في ذلك قناة بنما». لقد كان ماكينلي توسعياً كذلك.

يُعجبه أن ماكينلي جعل الأموال تتدفق على بلده. كان ذلك نهاية القرن التاسع. إنما سرعان ما انخفضت التجارة، واضطر إلى العدول عن رأيه، والكفّ عن تأجيج الصراعات السامّة. وهو الجزء الدرامي والأخير من القصة الذي لم يجد ترمب، ربما، الوقت لقراءته. كذلك استدعى ماكينلي من العداوات والفتن ما جعله ينتهي مقتولاً بإطلاق الرصاص عليه، وهو وسط جمهوره.

omantoday

GMT 20:41 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

شاعر الإسلام

GMT 20:40 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الإرهاب الأخضر أو «الخمير الخضر»

GMT 20:39 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!

GMT 20:38 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

حذارِ تفويت الفرصة وكسر آمال اللبنانيين!

GMT 20:37 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أين مقبرة كليوبترا ومارك أنطوني؟

GMT 20:36 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار

GMT 20:35 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

قطرة واحدة للتَّعرف على مذاق البحر

GMT 20:34 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

فطيرة ماكرون وقهوة شيراك

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نموذج ماكينلي نموذج ماكينلي



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ عمان اليوم

GMT 20:08 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

تطوير أدوية مضادة للفيروسات باستخدام مستخلصات من الفطر

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 05:13 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

سيطر اليوم على انفعالاتك وتعاون مع شريك حياتك بهدوء

GMT 08:37 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الحمل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab