«دولة الأوبرا» منارةُ البهاء

«دولة الأوبرا».. منارةُ البهاء

«دولة الأوبرا».. منارةُ البهاء

 عمان اليوم -

«دولة الأوبرا» منارةُ البهاء

بقلم: فاطمة ناعوت

«علّموا أولادَكم الفنون؛ ثم أغلقوا السجون»، عبارةٌ عميقةُ الدلالة قالها «أفلاطون» الفيلسوف الإغريقى فى القرن الرابع قبل الميلاد، مخاطبًا أبناء مدينة «أثينا»، بعد زيارته لمصر القديمة، قِبلة الفنون والعلوم منذ إشراقها الأول. قالها تأثرًا بالموسيقى المصرية فى عظمة تجلّيها، ودهشته من سحرها الأخاذ وعمق مراميها الروحية، فأيقن أن مثل تلك الموسيقى العبقرية كفيلة ببناء شخصية الإنسان على النحو الأكمل ليغدو مواطنًا صالحًا، غير قابل للسقوط؛ وبالتالى ما الحاجة للسجون؟! الفنون الرفيعة هى الحصانة ضد الجريمة والانهيار الأخلاقى. ولهذا فإن المجتمعات التى تحترم الفنونَ الرفيعة وتُغرق أبناءها فى دروبها، قلّما تحتاج إلى السجون، لأن نسبة الجريمة فيها تكاد تنعدم.

 

تلك العصا النحيلة، فى يد المايسترو، أخطرُ من سيفٍ وأقوى من رصاصة. فالرصاصةُ تقتلُ الجاحدَ وتُصفّيه جسديًّا، بينما «الموسيقى» التى تطيرُ من طرف العصا، تُذيب قلبَ الجاحد، فيرقُّ ويرهُفُ ويتحوّل إلى رؤوف رحيم.

لهذا نحتشدُ اليومَ لنحتفلَ بعيد ميلاد الجميلة «دولة الأوبرا المصرية» ونطفئ فى كعكتها ستًّا وثلاثين شمعةً من عمرها البهىّ. تمتد لتتواصل مع شمعات شقيقتها الكبرى «الأوبرا الخديوية» التى وُلدت عام 1869، وعاشت 102 عام قبل أن تُغمضَ عينيها احتراقًا عام 1971. ثم يُعاد افتتاح دار أوبرا جديدة يوم 10 أكتوبر 1988، تلك التى نقفُ اليومَ على أعتابها كلما رُمنا الجمال. وبهذا فإننا فعليًّا نحتفل بعيد الميلاد رقم 138 لتلك الدار المصرية العريقة الصادحة بالفنون والجمال كأول دار أوبرا فى الشرق الأوسط والعالم العربى، وواحدة من أقدم دور الأوبرا فى التاريخ بعد إيطاليا.

وجميل أن يتزامن احتفالُنا بنصر أكتوبر المجيد مع عيد ميلاد الأوبرا، كما قال وزير الثقافة د. «أحمد فؤاد هنو» واصفًا إياها بأنها: «منارة الفنون وقلعة الإبداع»، فى كلمته بالأمس فى الاحتفال الحاشد الذى أخرجته على نحو فائق الدكتورة «لمياء زايد»، رئيسة دار الأوبرا المصرية، لتقدّم لنا ألوانًا من الفنون المصرية كان ختامُها الرائع مع عصا المايسترو «نادر عباسى» وأوركسترا أوبرا القاهرة، ومقتطفات من أوبرا «عايدة» التى ألّفها الموسيقار الإيطالى «فيردى» خصيصًا من أجل افتتاح الأوبرا الخديوية عام 1869، ومشهد النصر الشهير الذى كأنما يجمع التاريخ احتفالًا: بعيد الأوبرا الأول قبل 138 عامًا، ونصر أكتوبر المجيد قبل 51 عامًا.

أعلم أن الكتابةَ عن الفنون بالكلمات خطيئةٌ وعبثٌ. فلا شىء يصفُ الجمالَ إلا أن تراه وتسمعه وتنهل من مائه العذب حتى ترتوى. الكتابة عن الفنون تشبه أن تصف لكفيف شكلَ السماء وتلك اللوحات التى ترسمها الغيومُ برقائق الجليد، والطيور التى تقطعُ اللوحة بأجنحتها، أو أن تصفَ لأصمَّ صوتَ زقزقة العصافير وهديل الحمام وهدير الموج! كيف تصف بالكلمات الفقيرة عطرَ وردة لحظة تسقط عليها قطرةُ ندى؟! استحالات! لهذا قيل إن «الصمتَ فى حرم الجمال جمالٌ». ما كان ينبغى أن أكتب عن الفنون وصرحها، لأن اللغة قاصرةٌ عاجزةٌ. كل ما هنالك أننى وددتُ أن أشكر أولئك الذين يغزلون لنا «ثوبَ الجمال» فى «دولة الأوبرا»، لنسترد إنسانيتنا التى تتسرّب من بين أصابعنا مع كل دمعة طفل يبكى هلعًا فى مرمى رصاص الطغاة، وكل زفرة أم ثكلى تفقد ابنها فى لحظة شهادة، وكل غاشم يحتلُّ وطنًا ويغتالُ بنيه. ليس علينا إلا الصمتُ فى حرم الجمال، لكى ترتقى إنسانيتُنا ونتهذّب. نصمتُ ونتركُ الهواء ينسابُ مع راقصات الباليه، والنغمَ ينساب من أوتار الآلات الموسيقية، والعذوبة تنسلُّ من حناجر المطربين العظام، والجمال والسحر يتفجّر من حولنا من كل صوب، مثل شلالات عذبة من النور.

اليومَ تُتِمُّ الجميلةُ الجديدة عامَها السادس والثلاثين. «دار الأوبر المصرية»، التى يروق لى أن أُسميّها «دولة الأوبرا»، لأنها دولةٌ مكتملةُ الأركان، بشعبها ورئيستها وقوانينها وزيّها الرسمى وجنودِ جيشها ودستورها الحاكم. فأشكر كل من وضع طوبة فى هذا الحصن التنويرى الهائل، حصن الفرح البهىّ، لأنه يمنحنى الفرحَ كلما اخترقت قلبى سهامُ الهموم والكدَر. اليومَ حقٌّ علىَّ أن أقول: شكرًا «للخديوى إسماعيل»، الذى شيّد لنا دار الأوبرا القديمة عام 1869. وشكرًا لإمبراطور اليابان الذى أهدانا دار الأوبرا الجديدة بعد احتراق الأولى عام 1971.

وشكرًا لجميع القائمين على هذا الصرح التنويرى العظيم، تحت قيادة الباليرينا والصوليصت والمخرجة والمصممة الجميلة د. «لمياء زايد» التى تصلُ الليلَ بالنهار حتى تجعل من «دولة الأوبرا» منارة إشعاع حضارى فاعلة تنطلق من مصر وتوجه نورَها صوب العالم. شكرًا لأنكم تمنحوننا الفرح والحياة والرقى. كل سنة وكل خشبات مسارح دولة الأوبرا مُضاءة بالنور والجمال.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«دولة الأوبرا» منارةُ البهاء «دولة الأوبرا» منارةُ البهاء



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 21:47 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

يتناغم الجميع معك في بداية هذا الشهر

GMT 19:40 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 04:43 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:09 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab