اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت

اللواء «قدري الزهيري».. الرحمةُ التى غابت!

اللواء «قدري الزهيري».. الرحمةُ التى غابت!

 عمان اليوم -

اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت

بقلم: فاطمة ناعوت

قبل أن يترجّل عن حِصانه، ويتركُنا كسيرى القلب، ويمضى مع الماضين إلى حيث وجه الرحمن، حدّثنى فى الهاتف ليسأل عن ابنى «عمر» وتقدّمه فى الفروسية والموسيقى والرسم وغيرها من مواهبه الجميلة، ثم أخبرنى بكل هدوء بأن زائرًا ثقيلًا قد زاره، وراح يشكرُ اللهَ كثيرًا، ويطمئننى أنه بخير وأن علىَّ ألا أجزعَ لأن المرضَ رحمةٌ من الله مثلما الصحة رحمة. تلك عادته حين يحكى بهدوء وصوت خافت عن الكوارث، كفظائع بنى صهيون فى الأرض المحتلة. الزائر هو «السرطان» لا سامحه الله، إذ اختطف منّا رجلًا بكل هذا الجمال والرحمة والشهامة والوطنية والإيثار. كتب على صفحته هذه القطعة الأدبية الفلسفية الرائعة، تحت عنوان «المرض الصامت».

[مرضٌ لا ترى له ملامحَ ولا تشعر له بأعراض. مرضٌ تسرى آثارُه على النفس ببطء وهدوء ورَوِيّة. إنه مرض «إِلْفُ النّعمة». أن تشعر بأن ما معك وما حولك جزءٌ من تكوينك! فأنت ترى لأنك وُلدت بعينين، وتسمع لأن لك أذنين، وتشترى لأنك تملك المال، وتتحدثُ لأنك قادرٌ على التعبير! تذهب للتسوق وتملأ العربة بما تريد وتعود لمنزلك؛ لأن هذا حقك فى الحياة! أن تشعر بالجوع فتفتح الثلاجة وتأخذ مما فيها بهدوء وتأكل وتشبع بتلقائية؛ وكأن هذا هو ما يحدث مع جميع الناس! أن تألَف نِعمَ اللهِ عليك وكأنها «حقٌّ مكتسب»! فإذا أَلِفْتَ النعمة؛ صرتَ تأكل دون أن تذْكر مَن بات جائعًا، أو من يملك الطعام ولا يستطيع أن يأكله لمرض. فتنسى أن تحمد الله. صحوت ترى وتسمع وتتكلم ولا تتذكر أيًّا ممن فقد تلك النعم، فتنسى أن تحمد الله! تخرج للعمل أو التنزه ثم تعودُ إلى المنزل دون أن تحمد الله على نعمة المال والامتلاك والبيت الذى فيه تنام!! رتابةُ النِّعَم تأخذنا إلى عدم الإحساس بها.

الرِّزقُ ليس «زيادة ما عندك» بل فى «أَنَّ عندك ما عندك». فلا تجعل نفسك تُرغمك أن تألف النِّعَم، بل أرغمْ نفسَك أن تألَف الْحَمْد. فلا يجب أن تزول عنك النعمةُ أو تتهدد بفقدها، حتى «تُقدّر» قيمتها. اللهم كما رزقتنا النعم ارزقنا الامتنانَ لك على تلك النعم، واجعلنا حامدين شاكرين، نُقدّر نعمك علينا. واعصمنا من أن نألفها وننسى أنها منحةٌ منك... بوسعك أن تستردها وقتما وكيفما تشاء].

بعد هذا الدرس الوجودى الفلسفى الإيمانى العميق، كنتُ أراسلُه لأطمئن عليه، وكان يطمئننى أنه فى أفضل حال. وفى عزّ مرضه تذكّر أمنية ابنى أن يعود للتمرين فى «نادى الفروسية» للقوات المسلحة، بعدما تركه منذ شهور لانشغاله بالموسيقى، وقبل أيام قليلة من رحيله، هاتف «عمرَ» ليخبره أنه لم ينس طلبه. كان يطمئننا ويطمئن على أحوالنا حتى خِلنا أن الزائر اللعين قد لملم أشياءه ورحل عن جسده النحيل وروحه الطيبة. ولم نكن ندرى أن المرضَ سائرٌ فى طريقه الشرس يرفض الانهزامَ أو العدول؛ رغم دعوات آلاف الطيبين الذين يدينون للراحل العظيم بأياديه البيضاء عليهم، وأنا منهم.

حين كتبتُ رثاءً له على صفحتى، وشكرته على دعمه لى فى مشوارى الصعب مع ابنى المتوحد، وعلى ما قدمه لأبى الروحى الفنان الوطنى «سمير الإسكندرانى» ومرافقته له طوال رحلة مرضه وحتى رحيله، فوجئت بمئات التعليقات والرسائل تحكى عن أياديه البيضاء على كاتبيها!

وداعًا سيادة اللواء المحترم «أحمد قدرى الزهيرى». العظيم الذى كان نعمةً علينا من نعم الله. رحيلك موجعٌ وقاسٍ؛ لأن مثلك لا تجود به الحياةُ كثيرًا. برحيلك المفاجئ فقدتُ أبًا غاليًا ورجلًا وطنيًا عزّ نظيرُه، وأستاذًا مثقفًا رفيع الطراز. اللهم أسكنه مسكنًا طيبًا يليق بنقائه وأياديه البيضاء التى مدّها لكل من قصده.

■ ■ ■

(رحيل)

هذا الحائطُ الصلبُ

الذى يفصِلُ الآنَ

بين الحياةِ وبينكَ

ما كان ينبغى له أن يكونَ حائطًا

ولا صلبًا

إذْ كان بوسعِه

أن يغدوَ

زهرةً فى حديقتك

أو قطرةً

فى شلالِ عطرٍ

أو غُصنَ زيتونٍ

فى منقارِ يمامةٍ بيضاءْ

تُهديه إلى زوجتك

التى ما جفَّ دمعُها

منذ مضيتَ

ولن يجفَّ

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت اللواء «قدري الزهيري» الرحمةُ التى غابت



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab