سنة حلوة بالحب شكرًا ستّ «عفاف»
أخر الأخبار

سنة حلوة بالحب.. شكرًا ستّ «عفاف»

سنة حلوة بالحب.. شكرًا ستّ «عفاف»

 عمان اليوم -

سنة حلوة بالحب شكرًا ستّ «عفاف»

بقلم: فاطمة ناعوت

بينما تُجهّزُ لنا طعامَ الغداء، راحت، بعفوية وبساطة، تحكى كعادتها ما حدث معها بالأمس من مواقفَ وطرائف. ومن بين الحكايا قالت: (وأنا فى الباص بتاع المنشية إمبارح، كان قاعد قدامى ٣ بنات قمرات، تقريبًا كانوا رايحين دير «سمعان الخراز» عشان شوفت صليب على إيديهم. لما عينى جات فى عينهم قلت لهم: «كل سنة وأنتم طيبين يا حبايبى. ميرى كريسماس وعيد ميلاد مجيد». بصوا لبعض فى دهشة، فقلت لهم: «إنتوا زى بناتى، سنة سعيدة عليكم يا رب». المهم لما جيت أنزل من الباص فى المنشية، والسِّلّمة عالية ورِجلى بتوجعنى زى مانتى عارفة، لاقيتهم جريوا عليا بيساعدونى أنزل!). لم يكن الهدف من حكايتها القصيرة هذه أن تقصَّ ما فعلتْه مع البنات، بل كان الهدفُ أن تصفَ لى طيبة البنات وتسابقهن على مساعدتها. من طوال عشرتنا معًا، على مدى سنوات العمر، كانت تعرفُ ما معنى «الخدمة» فى الأدبيات المسيحية. وكثيرًا ما رافقتنى فى رحلات خَدَمية فى القاهرة وخارجها مع أشقائنا المسيحيين، وتعرّفت معى على «خُدّام» و«خادمات» من أولئك الأنقياء الذين يرعون دور المسنين ودور الأيتام ويساعدون المرضى والفقراء وكل ذى حاجة وعَوَز. لهذا قصّت عليَّ حكايتها لكى تؤكد لى، وكأننى لا أعلم، أن الخادمات الجميلات أولئك، لا يفرقن فى خدمتهن بين مسلم ومسيحى، بل يقدّمون الحب للجميع. بطلةُ مقال اليوم وصاحبة الحكاية هى كنزُ حياتى وسَنَدى ورفيقة مشوارى السيدة المحترمة «عفاف طه إدريس» أو «أم محمد»، كما يُطلقُ عليها جيرانُها فى منشية ناصر.. هى مديرة منزلى ومربية أولادى، والتى يعتبرُها صغيرى «عمر» أمَّه الثانية.

لهذه السيدة الجميلة مواقفُ حضارية كثيرة منذ صباها الأول. بعدما أنجبت طفلها الأول، الذى يناهز اليوم خمسة وثلاثين عامًا. كانت جارتها المسيحية قد أنجبت طفلَها كذلك، لكنها رحلت عن الحياة وتركت رضيعَها لا يتوقف بكاؤه جوعًا وعطشًا وحرمانا من دفء الأم. فما كان من الأم الصغيرة «عفاف» إلا أن أخذت ابن جارتها وأرضعته مع رضيعها حتى فطمتهما معًا. كانت تفعلُ هذا سرًّا خوفًا من رفض زوجها «الحاج يوسف». وبعد بضعة شهور من تأنيب الضمير قررت أن تخبره بالحكاية وهى تدعو الله أن يتقبّل الأمر. وفوجئت به يقول: (لو لم تفعلى هذا، لحزنتُ منك. هذا واجبنا أمام الله)، وصار لهذه الأسرة المسلمة الجميلة ابنٌ مسيحىّ اسمه «أمجد»، صار اليوم رجلا فى الخامسة والثلاثين من عمره، أخًا لأبنائها الخمسة بالرضاع.

هذه السيدةُ الجميلة لم تقرأ فى التنوير، ولا فى حقوق المواطنة، ولا فى حقوق الإنسان. لم تقرأ «قانون ماعت» إذ يقول: «كنتُ أبًا لليتيم، وعينًا للأعمى، وساقًا للكسيح، ويدًا للمشلول»، لم تقرأ الحديثَ الشريف: «أنا وكافلُ اليتيم كهاتين فى الجنّة». لم تقرأ «العقد الاجتماعى» لـ «جان جاك روسّو»، ولا قرأت «رسالة فى التسامح» للمفكر الفرنسى «جون لوك»، ولا قرأت «المواطنة المتساوية» للدكتور «محمد عابد الجابرى»، فهى فى الأساس لا تقرأ ولا تكتب. لكن فطرتها النقية وقلبها السليم، وثقافتها العقلية والروحية والنفسية، جعلتها تقرأ «كتاب الحياة» على النحو الأكمل والأجمل.

ماذا يريدُ المرءُ أكثرَ من هذا ليتأكد أن التحضر لا يحتاجُ إلى «شهاداتٍ عُليا» بل إلى «نفوس عُليا»!.

ماذا يريدُ المرءُ أكثرَ من هذه المواقف الإنسانية العفوية الجميلة بين المسلمين والمسيحيين لكى يتأكد لنا أننا نعيش لحظة حضارية جميلة، أدامها اللهُ علينا؟!

ماذا يريدُ المرءُ أكثر من هذا ليتأكدَ أن الجمال والطيبة مَلكاتٌ مغروسةٌ بالفطرة فى نفوسنا بأمر الله تعالى منذ ميلادنا، وكل ما علينا هو مكافحة أن تنتزعها يدٌ باغضة أو حناجرُ زاعقة تنادى بالفرقة والشتات والتمييز والبغضاء.

ماذا يريدُ المرءُ أكثرَ من هذا ليتأكد أن العنصريةَ والطائفيةَ والتنمّر على المختلف العَقَدى، جميعَها بلاءاتٌ وأمراضٌ خبيثة وويلٌ مقيتٌ نحمدُ اللهَ أن تخطّانا ولم يُصبنا، وندعو لمن أصابته سهامُه بالشفاء والعفو والبراء.

هذه السيدةُ الجميلة كثيرًا ما رافقتنى فى زيارات لدور مسنين ودور أيتام. وتقوم بدورها التنويرى فى الحى الشعبى الذى تسكنُ فيه حتى صارت لسان الحقوق والمواطنة تتكلم مع جيرانها بلسان حضاريّ بسيط، فتعلّم أبناءَ حيّها ضرورة نبذ التطرف وقيمة نشر مبادئ السلام والمحبة بين الجميع.

فى بداية العام الجديد ٢٠٢٥، قررتُ أن يكون أول مقالاتى فيه هديةً لهذه الجميلة التى ترافقنى رحلتى الشاقّة الشيقة مع صغيرنا الجميل «عمر»، وأردِّدُ معها دعاءها الذى تقوله كل فجر: «ربنا يطعمنا فيك يا عُمر». أقول لها «شكرًا»، وكل عام وقلبُها نظيفٌ نقىّ كما هو. وكل عام ومصرُ غنيّة بشرفائها من جميع المشارب والثقافات. عام سعيد على الجميع، اللهم اجعله عامًا طيبًا على جميع البشر.

 

omantoday

GMT 16:06 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

أهذه إنجازات يا حكومة؟!

GMT 16:04 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

تمهّل... أمامك مطبّات

GMT 16:02 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

تمهّل... أمامك مطبّات

GMT 16:01 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

ترمب وإيران ودروس لـ«حماس»

GMT 15:58 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

يوم التحرير... شرعية أميركية جديدة

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

لكنْ ماذا نفعل؟

GMT 15:55 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

فتنة حرب أهلية في غزة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنة حلوة بالحب شكرًا ستّ «عفاف» سنة حلوة بالحب شكرًا ستّ «عفاف»



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:34 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:03 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

الضحك والمرح هما من أهم وسائل العيش لحياة أطول

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 04:56 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:50 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الدلو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab