«مكرم هارون» واحدٌ من النبلاء

«مكرم هارون»... واحدٌ من النبلاء

«مكرم هارون»... واحدٌ من النبلاء

 عمان اليوم -

«مكرم هارون» واحدٌ من النبلاء

بقلم: فاطمة ناعوت

ذهبت أمٌّ إلى الصائغ لكى تبيعَ قِرط طفلتها. وكان هذا القُرطُ الصغير آخرَ ما تبقى لديهما من مصوغات ذهبية. حرّرتِ الأمُّ القرطَ وخلعته عن أذن الصغيرة، ففرَّت دمعةٌ من عينها؛ لمحها الصائغُ؛ فسأل الأمَّ الواجمةَ عن سبب البيع. لم تُجب الأمُّ، وأشاحت بوجهها لكى تُخفى دمعةً غافلتها وأطلّت من عينها، فطردتها بظهر كفّها. وجاءت إجابةُ السؤال فى همسة همست بها صديقةُ الأمّ التى كانت ترافقهما: «نبيعه لعلاج البنت!»، وضع الصائغُ القِرطَ الصغيرَ فى مِجلاة التلميع، حتى عاد بريقُه يُشعُّ كنورِ نجمة فى سماء ليلٍ، ثم وضعه فى علبة من القطيفة الزاهية، وقدّمه للصغيرة الحزينة. ثم أعطى الأمَّ مظروفًا به ثمن القرط، كأنه ابتاعه. لكن كبرياء الأم وعفافَها أبيا القبولَ. فأصرَّ الصائغُ الشهمُ على موقفه، وأصمَّ أذنيه عن جميع كلمات الرفض قائلاً: هذا القرطُ هديتى للصغيرة الجميلة؛ فهو لن يكون جميلًا إلا فى أذنيها.
هذه القصة الجميلة ليست من حكايا الـFairy Tales، بل واقعة حقيقة شهدها الأمسُ فى مركز «الباجور» محافظة المنوفية. لم نعرف الحكاية من بطلها النبيل، فهو شأنه شأنُ كلِّ شريفٍ، لا تعرف يسراه ما أنفقت يمناه، بل عرفناها حين شكرت صديقة الأم هذا الصائغَ الطيب على صفحات سوشيال ميديا.

فانتشرت القصةُ وعرفنا أن الجواهرجى الطيب هو الأستاذ «مكرم عبدالملاك هارون»، الشهير بـ«مكرم عبده هارون». لكننا، بكل أسفٍ، لم نعرف اسم الطفلة الجميلة ولا الأم لكى نؤازرها. لهذا أدعو الجهات المختصة للتعرف عليها وعلاجها على نفقة الدولة، فهذا حقُّها على وطنها العظيم الذى لا ينسى أبناءه.

من أجل مثل تلك الحكايا الجميلة التى تحدثُ كل يوم فى شتى بقاع الأرض، ولا يصلُنا منها إلا قطراتٌ من غيث، يرحمنا اللهُ ويغفر خطايا البشرية. هذى المواقفُ النبيلة التى يصنعها الشرفاءُ بين الحين والحين هى الضمانةُ الوحيدة لاستمرار الحياة على كوكبٍ حزين أرهقته الحروبُ والويلات. كوكبٍ يتفنّن فيه الأشقياءُ فى صناعة الشرور فتذبل الورود على سيقانها، حتى يأتى الأخيارُ ويغسلوا الأرض بنُبلهم، ليعود إشراقُ الزهور.


غوثُ الملهوف هو صوتُ الضمير الذى يُلبّى النداءَ ولا يصمُّ أذنيه عن صرخةِ وجع أو همسة رجاء، مهما خَفُتَ صوتُها حياءً أو وهنًا. فى زمن تسارعت فيه خطواتُ البشر نحو ذواتهم، بات جبرُ الخاطر هو النبضَ الذى يُبقى جسدَ الإنسانية حيًّا، رغم هِرمه وشيخوخته وعيائه. جبر الخواطر هو أرقى بوابات السموّ الروحى، حيث يسمو الإنسانُ فوق ذاته الضيقة نحو براح الآخر على شسوعه، فيصبح الجابرُ خاطرًا شريكًا فى بناء عالم أكثر دفئًا وجمالًا وطوباوية. إنها رسالة تقول إن العالم ليس مريرًا بقدر ما قد يبدو، وإن الخير مازال يسرى فى عروق الناس مسرى الدم، مهما غاب وجهه عن عيوننا. مثل تلك الحكايا الطيبة التى تصافح وجوهَنا كنسمةٍ باردة فى هجير، تجعل العالم يستحقُ أن يُعاش.

يقول «مارك توين»: ««اللطفُ هو اللغة التى يسمعها الأصمُّ ويراها الكفيف»، وتقول «إيميلى ديكنسون»: «لو كان بوسعى إنقاذ قلب واحد مكسور، فإن حياتى لم تكن هدرًا». ويقول «غاندى»: «أفضل طريق لأن تجد نفسَك هو أن تتركها تذوب فى خدمة الآخرين». وأما «الإمام الشافعى» فيقول شِعرًا: «الناسُ للناسِ مادامَ الوفاءُ بهُمُ/ والعسرُ واليسرُ أوقاتٌ وأزمانُ/ وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورى رجلٌ/ تُقضَى على يدهِ للناسِ حاجاتُ».


فى هذا العالم الموحش الذى يزداد قسوةً، تبقى الرحمةُ الأملَ الوحيد لإعادة صياغة معنى الحياة، ويغدو جبر الخواطر عبادة إنسانية لا تقل قداسة عن الصلاة مع الله، لأن التراحمَ صلاةٌ مع خلق الله، وجسرٌ للعبور إلى الآخر، يُحيى فينا الروح النقية التى خُلقنا عليها.
يقول الحديثُ الشريف: «من يسَّر على مُعسر يسَّر اللهُ عليه فى الدنيا والآخرة». وهذا الرجلُ النبيل يعرف قول المسيح عليه السلام: «كأسُ ماء بارد لا يضيع أجره»، وقوله: «أعطوا فيُعطَى لكم، مِلءَ قامتِكم رَجعًا وفائِضًا».


■ ■ ■
قِرطُ الجميلة
برقتِ دمعةٌ فى عيِن الصغيرة/ فرفعَ النبيلُ يدَه
كما يرفعُ راعٍ عصاه/ ليوقفَ الرياحَ عن وردةٍ نحيلة/لئلا تنكسر
وقال: «النجومُ/ لا تُباعُ هنا/ ولا تُشترى / مثلما لا يُباعُ الفرحُ/ أعيدوا النجمةَ للصغيرة/ فهى أبهى فى جِيدها/ وأشدُّ نصوعًا»
...
أنصتتِ السماءُ/ لما يجرى تحت مظلتها/ وابتسمتْ/ ثم أرسلت فى عتمة الليل / شعاعَ شمسٍ
ورسالةً: «تستحقون ضيائى/ مادام فى عالمكم/ خيرٌ / وفرحٌ/ ونجوم».

 

omantoday

GMT 20:46 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

المصداقية كلمة السر لصناع القرار

GMT 20:45 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

طريق الخسائر والكبائر

GMT 20:45 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

عون رئيساً لاسترداد لبنان

GMT 20:44 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

الدبلوماسية العربية ــ الدولية وجمهورية لبنان الثالثة

GMT 20:43 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

عجائب الزماني... لابن الأصفهاني

GMT 20:42 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

المشهد اللبناني... واليوم التالي للمنطقة

GMT 20:41 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

كرة القدم... نقطة تجمع وطني

GMT 20:39 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

إعادة الإعمار!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مكرم هارون» واحدٌ من النبلاء «مكرم هارون» واحدٌ من النبلاء



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ عمان اليوم
 عمان اليوم - الصحف العالمية تتناول تحديات وآمال رئاسة جوزيف عون في لبنان

GMT 20:23 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل
 عمان اليوم - أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 21:01 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 05:19 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

القمر في منزل الحب يساعدك على التفاهم مع من تحب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab