خَلّصوا الإسلام بإخراجه من السياسة

خَلّصوا الإسلام بإخراجه من السياسة

خَلّصوا الإسلام بإخراجه من السياسة

 عمان اليوم -

خَلّصوا الإسلام بإخراجه من السياسة

علي الأمين

لايمكن الانكار ان الاسلام تعرض لتشوهات من رافعي لوائه اكثر من خصومه. واكثر هذه التشوهات التي نعانيها اليوم في عالمنا العربي، والاسلامي عموما، جاءت من دعاة الاسلام السياسي. اولئك الذين مارسوا السياسة باعتبارها فعلا الهيا مقدسا يضفي على قراراتهم قداسة دينية. وهذا ما يجعل المعترض عليها معترضا على ارادة الله وضاربا بعرض الحائط ما هو مقدس. لا يعني ذلك بطبيعة الحال ان الذين تصدوا لتيارات الاسلام السياسي هم على صواب في ما يتبنون من خيارات سياسية او فكرية. سواء كانوا من دول استعمارية أم من الأنظمة الحاكمة أم من مؤسسات سياسية واجتماعية او عسكرية ضمن المكونات الوطنية في مختلف الدول المعنية.

ولعل انفجار الاسلام السياسي وانتشاره العسكري والشعبي، في مشهده الحالي المستمر منذ اربع سنوات وأكثر في المنطقة العربية، كشفا عن مأزق لطالما كان قائما في اساس نظرة تيارات الاسلام السياسي. اذ لم يكن هناك فصل بين السلطة السياسية باعتبارها تعبيرا عن ارادة المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية، كما خلصت اليها الدولة الحديثة في عالمنا المعاصر، وبين الدين الذي ينطوي على جملة تشريعات يتفق المسلمون على جزء منها ويختلفون على تفسير اجزاء كثيرة منها.

اذا كان الاسلام السياسي السني والشيعي، الذي لا يمثل الاكثرية الشيعية ولا الاكثرية السنية، يقرّ بوجوب قيام الدولة الدينية، فإن فرعيه السني والشيعي يختلفان على شكل هذه الدول وسلطتها ومرجعيتها. وفي كلا المذهبين ثمة اتجاهات متعارضة حول دور الحاكم والسلطة وطبيعتهما وحول الشريعة وتطبيقاتها. هذا ما هو قائم لدى بعض الشيعة، وما هو اكثر تنوعا وانقساما بين التيارات السنية من الاخوان المسلمين الى السلفية وحزب التحرير وغيرهم.

مصدر الخلاف يمكن ادراجه في سياق الاجتهاد. لكنه في جوهره يعود الى اضفاء القداسة على التراث الديني، في ظل خلاف حول هذا التراث، إذ يجمع الفقهاء على انه تراث مختلف عليه بين الفقهاء أنفسهم وبين المذاهب الاسلامية في ما بينها، يصل الى حد التكفير. من هنا فإن تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، وقبله تنظيم القاعدة، حين يقومان بأعمال القتل والتدمير والاستباحة والسبي وتكفير الآخر، يقومان بذلك او بعضه من خارج الاستناد الى نصّ ديني، او الى قراءة لهذا النص مستندة الى التراث الاسلامي. بعدما اكتسب خلال العقود والقرون الماضية صفة المقدس بسبب الجمود القاتل في عملية الاجتهاد وقراءة النص الديني في بعد انساني وعلى اساس مقاصد الشريعة.

الاسلام السياسي فجّر المأزق لدى تيارات الاسلام السياسي، من خلال ازمة تقديس المجال السياسي وقراراته بفعل اضفاء القداسة الدينية على ما هو متحرك ومحل اختلاف وتنوع وصراع طبيعي. فلكل اسلامه السياسي وقواعده الفقهية التي لم تستطع ان تساوي بين المسلم والمسلم. فلا الاسلام السياسي الشيعي يعطي شرعية السلطة لغير الشيعي، ولا الاسلام السياسي السني يقرّ بشرعية كاملة للحاكم المنتمي الى المذهب الشيعي. والحال هذه فإن المذاهب، بما هي تنوع واجتهاد في قراءة النص الديني ضمن القرآن والسنة، خضعت لادلجة في القراءة المذهبية ضمن مشروع سياسي سلطوي ديني. وهو لم يفصل بين السلطة وبنيتها الدستورية من جهة وبين المذهب من جهة اخرى. وبالتالي صار من الصعب او المستحيل في حاضرنا ايجاد نموذج لاسلام سياسي يمكن ان يتوافق عليه اصحاب نظرية الدولة الدينية في الاسلام، ولا نقول جميع المسلمين، لأن أكثرية المسلمين لا يتبنون هذا المفهوم ولا يحبذونه.

أزمة التراث الاسلامي هذه تجعل كل مسلم، تحديدا من هو طامح لتطبيق الشريعة، يبحث في خزائن هذا التراث فيجد ما يحتاجه كي يبرر افعاله، ايّاً كانت... والى هذه القراءة القاصرة للنص الديني وتجلياته في التاريخ ومراحله المتنوعة، تصبح النزعة الانتقائية من خزائن القرآن والسنة ومن التراث اللاحق بهما، طاغية ومغرية لكل من يشاء. بحيث ان ايّ سلطة، مهما كانت مسيئة، تظل قادرة على اضفاء شرعية دينية على سلوكها. والنماذج في عالمنا العربي لا تعد ولا تحصى. كما هي حال جماعات الاسلام السياسي على اختلافها. فهي لم تعجز، امام ايّ موقف تتخذه، عن اضفاء البعد المقدس عليه.

هكذا يصير الاسلام السياسي، او مشروع الدولة الدينية الاسلامية، مشروع استبداد في احسن الاحوال او مشروع قسمة للمسلمين اقله، قبل ان يكون مشروعا لحروب اهلية بين المسلمين وغير المسلمين.

واذا كان من فضيلة يمكن ان تخرج من هذا الدمار السياسي والاجتماعي وحتى الديني، في عالمنا العربي، فهو ان الاسلام تشوه حين صار مشروع دولة. ويمكن نزع التشوهات عنه حين تسقط مقولة ان الاسلام دين ودولة... وحين نقتنع بأن الاسلام دين فقط.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خَلّصوا الإسلام بإخراجه من السياسة خَلّصوا الإسلام بإخراجه من السياسة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab