إلى متى يبقى الوطن محشورا بين مطرقة الجماعة وسندان الجيش

إلى متى يبقى الوطن محشورا بين مطرقة الجماعة وسندان الجيش؟

إلى متى يبقى الوطن محشورا بين مطرقة الجماعة وسندان الجيش؟

 عمان اليوم -

إلى متى يبقى الوطن محشورا بين مطرقة الجماعة وسندان الجيش

حسن نافعة

لن تستطيع مصر أن تخرج من كبوتها، وتلحق بركب الأمم الحديثة والمتحضرة، وأن تشارك بفاعلية فى محيطها الإقليمى والدولى إلا إذا نجحت فى تأسيس نظام ديمقراطى يتسع للمشاركة، وتترسخ فيه قواعد دستورية وقانونية تسمح بإدارة رشيدة تضمن منافسة حرة ومتكافئة بين الجميع. غير أن القدرة على تأسيس نظام تتوافر فيه هذه المواصفات تحتاج إلى شيوع ثقافة ديمقراطية تحترم المواطنة، وتؤمن بالتعددية وسيادة القانون، وتتوافر فيه أحزاب سياسية قوية ومجتمع مدنى فعال وجهاز إدارى محايد ومنضبط. كانت مصر قد شهدت إرهاصات لبناء نظام بهذه المواصفات، بعد تأسيس الدولة الحديثة على يد محمد على، فقبل نهاية القرن التاسع عشر بدأت تظهر تدريجياً أحزاب سياسية ونقابات عمالية ومهنية وجمعيات أهلية شكلت نواة لمجتمع مدنى تمتع بحيوية كبيرة، كما شهدت مصر انتخابات برلمانية حرة، غير أن هذه الإرهاصات لم تلد فى النهاية نظاماً ديمقراطياً مكتمل المعالم أو قابلاً للاستمرار، فقد انحشرت المرحلة شبه الليبرالية التى جسدت ذروة هذا الحلم بين مطرقة احتلال بريطانى هيمن على السلطة الفعلية بقوة السلاح وسندان قصر أصر على الاحتفاظ بامتيازاته كاملة، ورفض التحول إلى ملكية دستورية. ولأن الأحزاب وقوى المجتمع المدنى الصاعدة عجزت طوال تلك الفترة عن التخلص من الاحتلال الأجنبى ومن النظام الملكى معا، فقد كان من الطبيعى أن تنهار الحقبة شبه الليبرالية، وأن تشهد فى الوقت نفسه غرس بذور فنائها، ففى عام 1928 أسس حسن البنا جماعة الإخوان، مفسحاً بذلك المجال أمام ظهور تنظيم دينى سرعان ما أصبح هو التنظيم السياسى الأقوى على الساحة، خاصة مع تآكل حزب الوفد، وفى عام 1936 بدأت الطبقة المتوسطة المصرية تشق طريقها نحو جيش كان تكوينه مقصوراً، حتى ذلك الحين، على الطبقة الأرستقراطية وعلى المصريين من أصول أجنبية، مفسحة بذلك المجال لظهور جيش وطنى بدا مؤهلاً للعب دور سياسى رئيسى على الساحة المصرية، خاصة عقب مشاركته فى حرب فلسطين عام 48. ولأن أياً من هاتين المؤسستين، أى الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، لم تكن مؤهلة للإسهام فى إقامة حياة ديمقراطية سليمة، بسبب طبيعة تكوينهما، القائم على مبدأ السمع والطاعة، وعلى التنظيم الهرمى للسلطة، فقد كان الصدام بينهما شبه حتمى، والتعايش شبه مستحيل. صحيح أن فرصاً عديدة لاحت لتحقيق التعايش بينهما، منذ استيلاء الجيش على السلطة، عام 1952، لكنها ما لبثت أن انطفأت بسرعة. الفرصة الأولى لاحت، عقب ثورة يوليو مباشرة، غير أن إصرار الجماعة على فرض وصايتها على الثورة ورفض الاكتفاء بدور الشريك وضع حداً لمحاولات البحث عن صيغة للتعايش فى عهد «عبدالناصر»، ولاحت فرصة ثانية، فى عهد «السادات»، حين بادر بالإفراج عن الإخوان المعتقلين فى السجون، غير أن الخلافات حول مساحة الحركة المتاحة لهم سرعان ما أفضت إلى تصادم انتهى باغتيال «السادات» نفسه، وفى عهد «مبارك» أمكن للطرفين العثور على صيغة انتهازية لتعايش شكلى يسمح لكل منهما بتوظيف الآخر لخدمة أجندته الخاصة، غير أن هذه الصيغة تهاوت مع اندلاع ثورة يناير. ولاحت خلال الفترة الانتقالية الأولى التى قادها المجلس الأعلى للقوات المسلحة فرصة للتعايش تقوم على اقتسام السلطة، (البرلمان لكم والرئاسة لنا)، غير أن نقض الجماعة تعهدها بعدم الترشح للرئاسة بدد هذه الفرصة. وتصورت الجماعة، حين فازت بأغلبية برلمانية، ثم بالمقعد الرئاسى، أنها حققت انتصارها النهائى، غير أن إصرارها على الهيمنة المنفردة وإقصاء القوى الأخرى أطاح بأحلامها فى النهاية. رغم أوجه التشابه بين الجماعة والجيش، من حيث قوة التنظيم الذى يقوم على السمع والطاعة وعلى هرمية السلطة، فإن الفرق بينهما كبير جدا، خصوصاً إذا ما نظر إليه من زاوية المرجعية الفكرية والسياسية، فالجيش يبدو أكثر التصاقاً بالفكرة الوطنية من جماعة تقوم مرجعيتها على دين عابر للحدود والقوميات، لذا من الطبيعى أن يراهن الجيش على المشاعر الوطنية، وأن تراهن الجماعة على المشاعر الدينية فى محاولة كل منهما كسب معركته فى مواجهة الآخر. ولأن المشاعر الدينية ليست بديلا للمشاعر الوطنية، ولا يمكن أن تحل محلها، فلا مناص من التوصل إلى صيغة للتعايش بينهما. لذا لا حل لهذه المعضلة إلا بعودة الجيش إلى ثكناته، وعودة الجماعة إلى حضن الوطن، وهو ما لن يتأتى إلا فى ظل نظام ديمقراطى تقبل الجماعة بموجبه أن تتخلى عن طموحاتها فى الهيمنة المنفردة باسم الدين. وإلى أن يتم ذلك سيظل الوطن محشوراً بين مطرقة الجماعة وسندان الجيش. نقلا عن جريدة المصري اليوم  

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى متى يبقى الوطن محشورا بين مطرقة الجماعة وسندان الجيش إلى متى يبقى الوطن محشورا بين مطرقة الجماعة وسندان الجيش



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab