تشارلز أوشيه

تشارلز أوشيه

تشارلز أوشيه

 عمان اليوم -

تشارلز أوشيه

مصطفي الفقي

ليس إنساناً مشهوراً، ولا شخصاً معروفاً، ولكنه لعب دوراً كبيراً فى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين «جمهورية مصر العربية» وجمهورية «أيرلندا» المستقلة، لقد ساقتنى الظروف إلى التعرف عليه عام 1974 من خلال صديق مشترك حيث كان يسكن قريباً من القنصلية العامة لمصر فى منطقة (كنجستون) التى عملت فيها أول عامين لى فى «لندن»، وكان «تشارلز» وثيق الصلة ببلده «أيرلندا» ويعيش هو وزوجته «بريدا» حيث يعملان فى «لندن» وتوطدت العلاقات الأسرية بيننا، خصوصاً أن هناك قواسم مشتركة للمصريين مع الأيرلنديين، فالتاريخ متقارب ورفض الاحتلال البريطانى مشترك، والمعاناة واحدة، فضلاً عن الدفء العاطفى فى العلاقات الإنسانية الذى يتشابه بيننا وبين الشعب «الأيرلندى»، ولقد كنت مسؤولاً فى السفارة عن ملف «الشؤون الداخلية البريطانية»، بالإضافة إلى «المشكلة الأيرلندية» بأبعادها المعقدة فى ذلك الوقت، حيث كانت «أيرلندا الشمالية» جزءاً لا يتجزأ من «المملكة المتحدة»، وكان «تشارلز» يشعر دائماً بالأسى لأنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين «القاهرة» و«دبلن»، معتبراً أن بطل الاستقلال فى بلاده هو نظير موازٍ لزعيم «ثورة 1919» المصرية «سعد زغلول»، وقد عاد «تشارلز» من زيارة سياحية إلى «القاهرة» وهو مفتونٌ بمصر أرضاً وحضارة وشعباً، وازداد بعدها ضغطاً فى محاولته لدفع العلاقات بين بلدينا للمستوى الدبلوماسى الكامل، ولم أتردد فى دعم وجهة نظره وفاتحت السفير المصرى فى «لندن» أولاً بأول بما يجرى من تطورات وهو الذى استكتبنى عدداً من المذكرات حول الموضوع حتى بدأ يأخذ بعض الاستجابة لدى الخارجية المصرية إلى أن بلغ الأمر مسامع الرئيس «السادات» فتحمس لجهودنا، خصوصاً أن «مصر» مثل غيرها من الدول العربية كانت تبحث عن أصدقاء جدد للقضية الفلسطينية فى ذلك الوقت، فالصراع العربى الإسرائيلى استهلك معظم الجهد الدبلوماسى المصرى فى العقود السبعة الأخيرة، وجاء يوم أعلنت فيه العاصمتان المصرية والأيرلندية عن التبادل الرسمى للعلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الدولتين، ولست أنسى فرحة «تشارلز أوشيه» يوم أن بلغنا ذلك الخبر وكأننا قد أصبحنا أسرة واحدة أو أن مصاهرة كاملة تتم بين البلدين، ولقد ظلت «أيرلندا» ظهيراً داعماً لمصر فى كثير من القضايا الشائكة داخل «الاتحاد الأوروبى»، وعندما دعانى صديقى وزميلى أشرف راشد، سفير مصر فى «دبلن»، منذ عدة سنوات للقاء فى وزارة الخارجية، وحوار مع بعض أعضاء البرلمان أدركت أهمية «مصر» لدى العقل الأيرلندى وعرفت أن «أيرلندا» دولة تبحث عن القرار المستقل وترفض التبعية لأى دولة أوروبية كبيرة خصوصاً «بريطانيا» بسبب الحساسيات التاريخية التى كانت بين البلدين، ومازلت أتذكر يوم عاد «تشارلز أوشيه» وزوجته من «مصر» يشكوان من «تلبك معوى» فقلت لهما ساخراً إن السبب هو الطعام الدسم فى بلادنا ولكن «تشارلز» رد علىَّ مباشرة: «بل هى المياه»، حيث لم تكن الزجاجات المعبأة شائعة فى ذلك الوقت، وكانت مصر تمر بفترة صعبة مع بداية النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى، حيث الاقتصاد منهك والبنية الأساسية متدهورة إلى جانب عشرات الآلاف من الشباب الذى يتطلع إلى فرصة عمل فلا يجد.. إننى لا أعرف الآن أين «تشارلز أوشيه» بعد تلك السنوات الطويلة، حيث تفرقت بنا السبل ولكن بقيت ذكريات إقامة العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا علامة مضيئة أتذكرها دائماً.

إننى أكتب عن مواطن أيرلندى عادى هو «تشارلز أوشيه» الذى لم أره ولم أسمع عنه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وذلك كى أقدم نموذجاً لحب ذلك المواطن لبلده وحرصه على مصلحته وسعيه لفتح الأبواب والنوافذ أمامه من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدول المهمة فى العالم ومن بينها «مصر» التى تبعتها دول كثيرة فى المنطقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع «دبلن»، وبذلك قدم ذلك المواطن البسيط خدمات لبلاده من وراء الستار دون أن يكون سياسياً أو دبلوماسياً أو رجل استخبارات.. تحية له أينما كان!

 

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تشارلز أوشيه تشارلز أوشيه



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab